للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر بعض الفروق بين الصالحين والعصاة]

وانظر إلى العصاة وإلى الصالحين، فمن وجد الله فماذا فقد؟ ومن فقد الله فماذا وجد؟ فالأول كل عيشه مع الله عز وجل، وفي معية الله عز وجل، والله مولاه وناصره، وهو من حزب الله عز وجل، فماذا فقد إذا كان عزه بسيده؟ {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:٨].

واجعل بربك كل عزك يستقر ويثبت فإن اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت والآخر إلهه هواه، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:٢٣].

وإلهه الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، قال صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة).

الأول في معية الله عز وجل، يصلي لله تبارك وتعالى ويثني عليه، وقد جاء في الحديث الصحيح: (إن الله وملائكته وأهل السماوات وأهل الأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحيتان في البحار ليصلون على معلم الناس الخير) ويثني عليه الله عز وجل، فماذا يريد بعد ذلك من الخير؟ ويقول له الله عز وجل عند موته: (أن صدق عبدي) فماذا يريد بعد ذلك من الخير؟ فكفاه جزاء على الطاعة أن رضيه لها أهلاً، وأنه نظف مشاعره وأحاسيسه وقلبه وصدره وفرغه له، وجعل كل همه في طاعته وفي مرضاته، ويكفيه هذا وحتى ولو لم تكن هناك جنة، فما ظنه بصلاة الله عليه، واستغفار حملة العرش له، ودعاء النبيين له قبل وجوده في دار الدنيا، كما قال نوح عليه السلام {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح:٢٨].

وكما قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:١٩]، فماذا يريد من الخير بعد ذلك؟ يضاعف له العمل القليل الذي ربما احتقره وربما لم ينظر إليه، وإذا عاد أخاً له في الله عز وجل مريضاً بعث الله تبارك وتعالى على مدرجته سبعون ألف ملكاً يستغفرون له حتى يمسي، وهذا الكلام نوقن به ونعلمه.

وما ظنك بأن يستغفر لنا من أول النهار إلى آخره سبعون ألف ملك وأن نكون في معية الله عز وجل؟ فماذا تريد بعد ذلك؟ فعفوه يستغرق الذنوب، فكيف رضوانه؟ ورضوانه يستغرق الآمال، فكيف حبه؟ وحبه يدهش العقول، فكيف وده؟ ووده ينسي ما دونه، فكيف لطفه؟ ولطفه تطيب به الأرض، وكذلك الصالحون تطيب بهم الأرض، قال عليه الصلاة والسلام: (هم القوم لا يشقى جليسهم).

قوم كرام السجايا أينما جلسوا يبقى المكان على آثارهم عطرا فهم يعطرون المكان بعطر تطيب به الأرض بفضل طيبهم، وتشتاق إليهم الأرض، بل تشتاق إليهم الجنة.

وفي الحديث الصحيح الذي حسنه الشيخ الألباني يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الجنة لتشتاق إلى علي وعمار وسلمان).

وإن الجبل ينادي جبلاً آخر باسمه: هل مر بك ذاكر لله عز وجل؟ فإن قال: نعم قال: أبشر، فالأرض تحس بوقع أقدامهم الطيبة.

وعلى الطرف الآخر أناس تلعنهم الأرض وتستريح بموتهم، فقد مرت جنازة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (مستريح أو مستراح منه.

فقالوا: يا رسول الله! ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: إن العبد الكافر أو الفاسق أو المنافق تستريح منه البلاد والعباد والشجر والدواب).

وفي الأثر: (إن هوام الأرض وعقاربها تقول: لعن الله ابن آدم منعنا القطر بشؤم معصيته)، فأرض تلعن ناساً يمشون عليها، وأرض تشتاق إلى مرور أقدام الصالحين عليها، فماذا نريد بعد ذلك؟