[الصدق في الأقوال]
أول درجات الصدق: الصدق في الأقوال: حتى يتم للعبد كمال الصدق، فلابد أن يكون عنده صدق في الأقوال، وصدق في الأحوال، وصدق في الأعمال.
صدق في الأقوال: استواء اللسان على الصدق.
صدق الأعمال: أن يكون ظاهر العمل على المتابعة للكتاب والسنة.
صدق في الأحوال: أن تكون النية لله عز وجل، وأن يكون باطن العمل لله عز وجل.
والصدق مفتاح الصديقية، ولا ينال هذه الدرجة كاذب على الله عز وجل بنفي ما أثبت من الأسماء والصفات، أو إثبات ما نفي، أو بتحريم ما أحل، أو بتحليل ما حرم، ولا ينالها كاذب على الله عز وجل فيما شرعه.
وكمال هذه الدرجة أن يحترز الإنسان عن المعاريض، يعني: لا يلجأ إلى المعاريض إلا إذا علم هلاك عمره، يعني: لا تعلم ابنك وتقول له: قل: أبي ليس هاهنا، بحيث إنه يعمل دائرة ويضع أصبعه في نصف الدائرة، فيقصد: أبي ليس في هذه الدائرة، فلا يلجأ لهذه المعاريض إلا عندما تتيقن أنه سيضيع عمرك، وأنه سيظل السائل عنك يتكلم معك عشر ساعات، أما أن تعلم لابنك أن يقول: أبي ليس هاهنا ويضع أصبعه في نصف الدائرة، ويظن بهذا أنه ليس كاذباً، فيجب أن يراعي حقيقة المعاني التي ينطق بها.
رجل عند أن يدخل في الصلاة يقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً، وقلبه عند مباراة الأهلي والزمالك، فلا ينفع هذا، فهو لم يوجه وجهه ولا شيء من هذا القبيل.
رجل عند أن يدخل في الصلاة يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥]، إذاً: لن يتحلى العبد بالعبودية التامة لله عز وجل حتى يتخلص من كل رق: رق الشهوات والأموال والجاه والرياسة، وهنا تحل العبودية الكاملة لله عز وجل.
إذاً: للعبودية معنى، فكل من تقيد بقيد شيء فهو عبد له، قال عليه الصلاة والسلام: (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة!).
وكمال الصدق في القول أن تصدق في موطن لا ينجيك فيه إلا الكذب، مثل سيدنا ربعي بن حراش وهو أحد رواة الكتب الستة، وهذا العبد الصادق ما كذب قط، وكان الحجاج يطارد ابنيه، فقالوا للحجاج: لو قلت لـ ربعي عن مكان ولديه لم يكذبك أبداً، فأتى بـ ربعي بن حراش فقال له: أين ولداك؟ قال: الله المستعان! هما في البيت، يعني: مخبئهم في البيت، فأعجبه صدقه فعفا عن ولديه، قال: عفونا عنهما من أجل صدقك.
الجيلاني إمام من أئمة أهل السنة والجماعة، من أئمة الحنابلة، تعلم على يديه ابن قدامة، والإمام ابن قدامة شيخ كبار الحنابلة، قال الجيلاني: خرجت في طلب العلم وأنا ابن سبع، فمررنا بأرض يقال لها همدان، فخرج علينا جماعة من الأعراب -من اللصوص- سرقوا كل ما عندنا، فأتى إلي لص كبير، وقال: ما معك؟ قلت: أربعون ديناراً -يعني: أربعون جنيهاً من الذهب- فتركه، ثم أتى إليه لص آخر قال: ما تحمل؟ قال: أربعون ديناراً، فأتى به إلى كبير اللصوص، قال: ما حملك على أن تقول ذلك، لماذا لم تكذب؟ قال: عاهدت أمي على الصدق فلا أخون عهدها، فبكى كبير قطاع اللصوص وقال: أنت لا تخون عهد أمك وأنا لا أبالي ألا أخون عهد الله عز وجل، فأنا تائب اليوم على يديك، فقال بقية اللصوص: كنت كبيرنا في السرقة، فأنت اليوم كبيرنا في التوبة، وتابوا على يد الجيلاني على يد طفل صادق.