[ترجمة الإمام ابن باز]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.
ثم أما بعد: يقول الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد: لو بدا لرجل أن يسمى شيخ الإسلام فأولى الناس به الشيخ الشنقيطي، فما ظنك بالعلامة إمام عصره بلا منازع فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
يقول الشاعر أبو عمر المقدسي: العام عام ترجل الفرسان من شيخنا البازي للألباني دخل الجزيرة والشآم مواجع ومدامع تربوا على الطوفان علماء قد حملوا الهداية معلماً للحق يهدي حائر الثقلان همُ في الوجود صحائف قد سطرت بمداد أفئدة الهدى الرباني هم في الوجود موانئ لسفائن التوحيد تسري لدوحة الإيمان عادوا بها بيضاء بعد غشاوة وسموا بها عن مجمع البهتان رغم العدا علماؤنا لم يرحلوا فهواء مسجدنا غدا ألباني رغم العدا فرساننا لم يرحلوا سرب البزاة سحائب البلدان يا ناصر الدين الحنيف محارباً ومنابذاً بدع البغيض الجاني وإذا سألت عن الحديث وأهله فاسأل يجبك عن السؤال بياني علم الحديث رواية ودراية في عصرنا ربانه الألباني إن شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز قد مثل في شخصه الكريم مشيخة الإسلام في هذا العصر، فهو إمام أهل السنة، والمحقق الأثري الفقيه النابغة، مفتي الديار السعودية، ومرجع المستفتين من أنحاء العالم يرحمه الله.
يقول بعض السلف: قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز، ومن رأى جنازة الشيخ ابن باز ونحيب كبار الشيوخ بالمملكة بصوت عال كالأطفال، ولا أبالغ إذا قلت: أكثر من تسعمائة ألف يسير خلف جنازة الشيخ ابن باز، من رأى ذلك علم صحة المقالة السابقة.
فهذه لحظات نعيشها مع الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى، حفظ الشيخ القرآن عن ظهر قلب قبل أن يبدأ مرحلة البلوغ، وبحفظه لكتاب الله عز وجل باشر انطلاقه في طلب العلم، ولم يحبس الشيخ نفسه على أستاذ واحد، بل اتصل بالعديد من المشايخ وتلقى عنهم العلم كل في حدود تخصصه، كالشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن والشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن والشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، حيث لم يألوا جهداً في تشجيعه على المثابرة في تحصيل الخير والعمل والتبحر في عقائد السلف.
ومن مشايخه أيضاً الشيخ سعد بن حمد آل عتيق والشيخ حمد بن فارس، والشيخ سعد البخاري الذي أخذ عنه علم التجويد، على أن أطول سني الشيخ الدراسية تلك التي قضاها في التتلمذ كانت على سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية سابقاً، حيث استمر ملازماً له عشر سنوات كاملة، وطول ملازمة الشيوخ تعين طالب العلم على الأدب، ولذلك قالوا: إن الشيخ من حدثك بلحظه قبل أن يحدثك بلفظه.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أولياء الله الذين إذا رءوا ذكر الله تعالى برؤيتهم)، فما ظنك بالتتلمذ على أيديهم وطول معاشرتهم.
فهذا محمد بن المنكدر يقول عن أحد العباد: والله إن رؤيته لتنفعني في ديني.
وعبد الله بن المبارك يقول عن الفضيل بن عياض: كنت كلما قسا قلبي نظرت إلى وجه الفضيل فيجدد لي الحفظ فأمقت نفسي.
والذين عاشوا مع الشيخ ابن باز يقولون مثل ذلك عنه وعن رؤية محياه، مثل الشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد الله بن غديان وغيره يقولون: كان الشيخ يأتي الصبح وعلى جبينه أثر السجود وفي رجليه انتفاخ من أثر القيام، يعني: إذا رأوه وجدوا قدميه وقد انتفختا من أثر القيام، ووجدوا آثار دموع الليل على جبين الشيخ عبد العزيز بن باز، فهذا الذي جعل الشيوخ ينتحبون على موت الشيخ ابن باز.
فقد الشيخ عبد العزيز بن باز بصره في التاسعة عشرة من عمره، واستمر يطلب العلم بعد فقده لعينيه، ولكن قلبه ازداد نوراً وعوضه الله عز وجل بذكاء في القلب، وبصبر على العلم ومصابرة وذكاء منقطع النظير، فالشيخ حافظ العصر في علم الحديث، وإذا سألته عن حديث من الكتب الستة أو من عند غيرهم ففي الغالب تجده يستحضر الحديث سنداً ومتناً، ومن تكلم فيه من أهل العلم سنداً ومتناً، وإن أتيته بالإسناد أتاك بالمتن، وإن أتيته بالمتن أتاك بالإسناد، ويذكر لك مقالات أهل الجرح والتعديل في كل حديث، فائتوني يا أهل العيون المبصرة برجل كالشيخ كـ ابن باز في علمه وفي فقهه!! يقول الشيخ عائض القرني في ترجمة الشيخ ابن باز في كتابه الممتاز في مناقب ابن باز: وتستمر حالة الشيخ فلا يفتأ ليلاً ولا نهاراً يبحث عن العلم ويطلبه من مظانه، مع قلة ذات اليد ومع الفقر ومع العمل ومع عوزه للمال، وكان يقصد الله عز وجل في طلب العلم.
أول الطريق إلى آخره بذل الروح والصدق مع الله عز وجل، بهذا ارتفع الخير وإلا فدع عنك الترهات.
الإمام أحمد عندما كان يسأل عن الصدق والإخلاص فيقول: بهذا ارتفع الخير.
فالشيخ صدق الله عز وجل في طلبه للعلم مع فقده للبصر.
قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩].