[التكبر على عباد الله تعالى]
النوع الثالث: الكبر والتطاول على عباد الله تبارك وتعالى، رضيهم الله عز وجل عباداً له أفلا ترتضيهم إخوة لك؟ فالمولى عز وجل ارتضاهم عباداً له وهو القاهر، وهو الرب، وهو الإله، ولم ترتضهم أنت إخوة لك في الدين، فتعاليت عليهم.
ومظاهر التعالي كثيرة، فمنها: تصعير الخد، أي: إمالة الخد والإعراض بوجهه عنه، قال تعالى: {لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون:٥].
المظهر الثاني: النظر شزراً، وهو أن تنظر إليه بنصف عين، وكأنك مستهزئ به.
المظهر الثالث: تشديق الكلام وإخراج الكلام بنغمة معينة بملئ الفم، فيقول مثلاً: أحد الناس السذج نسأل الله ألا يبتليك بهم، فيظل يكلمك في ربع ساعة بما يمكن أن تقوله في نصف دقيقة، من أجل أن يخرج الكلام بطريقة معينة أو بنغمة معينة أو بلفظة معينة، ويمطط الكلام ويظهر الفصحى إن كان فصيحاً كنوع من التعالي على هؤلاء، ويرى الناس وكأنهم بقر.
المظهر الرابع: أنه إذا جلس يقوم الناس بين يديه، وإذا مشى مشوا من خلفه، وحملوا متاعه، فهو لا يحمل متاعه بنفسه، ويرى أن له ديناً في رقاب العباد أن يحملوا متاعه، وإذا جلس يجلس متكئاً، ولا يرتضي بالدون من الثياب ملبساً، ولا يجلس مع الفقراء والمساكين ويزدريهم، فضلاً عن أن يجلس مع المرضى، فكل هذا من مظاهر الكبر.
ومن مظاهر الكبر في المشي ما قاله رسولنا صلى الله عليه وسلم: (إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم، سلط الله بعضهم على بعض).
فالمطيطاء مشية فيها كبر وخيلاء كما قال ابن العربي رحمه الله.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينا رجل ممن كان قبلكم يتبختر في مشيته إذ خسف الله عز وجل به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي يجر ثيابه من الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإسبال في الإزار والقميص والعمامة، من جرمنها شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)، فالإسبال لا يقتصر في الإزار، بل يكون في الإزار وفي القميص وفي العمامة، ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من وطئ على إزار وطئه في النار).
وقد يقول قائل: أنتم تشددون الأمور، فمسألة تقصير الثوب وإطالته من القشور، والأهم من ذلك هو المعنى الباطن.
ونقول: إن إسبال الإزار من الخيلاء وهو من الكبر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر)، فهو ينظر إلى أن السلفيين يريدون توفير الأقمشة، ولا ينظرون إلى المعنى الباطن، إن هذا المنظر الخارجي يوحي بخيلاء وكبر في الباطن وأنه سيكون أبعد ما يكون عن الجنة.
ومن مظاهر الكبر أن يتبختر في مشيته: قال تعالى: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} [القيامة:٣٣].
وقال تعالى: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء:٣٧].
عمر بن عبد العزيز كانت له مشية تسمى المشية العمرية، فقد علموه آداب البرتوكول السياسي، وكانوا يدربون كل عضو منه على هذه المشية حتى تعلمها، فلما مشى بها أمام طاوس قبل أن يتولى الخلافة طعنه في خاصرته وقال: ليست هذه مشية من ملئ بطنه الخراءة.
ورأى محمد بن واسع ابنه يتبختر في مشيته، فقال له: أمك اشتريتها بمائتي درهم، أما أبوك فلا أكثر الله في المسلمين من أمثاله، فهذه المشية يبغضها الناس.
ومشى الناس خلف الحسن البصري فقال: وهل أبقيتم في قلبي من شيء؟ وقال سيدنا عبد الله بن مسعود وقد مشى خلفه الناس: هذه مذلة للتابع وفتنة للمتبوع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جلس متكئاً، وما مشى خلفه رجلان.
ولبس أحد الولاة ثياباً من خز ثم تاه في المشية أمام الحسن البصري، فقال له: أف أف، مصعر خده، ثاني عطفه، أحيمق يزدري نعمة الله تبارك وتعالى عليه، يا هذا! داو قلبك، فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم.
وقال لآخر: كأن القبر قد وارى بدنك، وكأنك قد لقيت ربك غداً، ثم قال له: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء:٣٧].