أما النوع الثاني من الحياء فهو: حياء التقصير، كحياء الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ثم إذا رفعوا رءوسهم يوم القيامة قالوا لله عز وجل: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
وأي ذنب يرتكبه العبد دائر بين أمرين كما قال ابن القيم، فإذا قال العبد -حتى ولو ارتكب صغيرة-: إني أفعل هذا الذنب والله عز وجل لم يرني، ولا يطلع علي، ولا يعلم بخطيئتي، ولا يعلم بقبحي، فهذا خرج من الإسلام بالكلية، حتى ولو ارتكب خطيئة.
وأما إذا قال: إني أفعل هذا الذنب وأعلم أن الله تبارك وتعالى يراني من فوق سبع سموات، وأعلم أنه مطلع علي، فهذا يدل على قمة الحياء.
وفي ذلك يقول سيدنا عبد الله بن عباس: يا صاحب الذنب لا تأمن عاقبته، فما بعد الذنب أهون من الذنب، حزنك على الذنب إذا فاتك وأنت على الذنب أعظم من الذنب، وفرحك بالذنب إذا عملته أعظم من الذنب، وقعودك وإصرارك على الذنب وأنت على الذنب أعظم من الذنب، وامتناع فؤادك إذا حركت الريح ستر بابك، ولا ينخلع قلبك ويضطرب لنظر الله عز وجل إليك من فوق سبع سماوات أعظم من الذنب.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي عامر الألهاني:(إني أعلم أناساً يأتون يوم القيامة بحسنات مثل جبال تهامة بيضاء يجعلها الله هباء منثوراً، فقال ثوبان: يا رسول الله! جلهم لنا، أي: صفهم لنا نعرفهم لئلا نكون منهم، قال: هم أناس من جلدتكم، ويأخذون من الليل مثلما تأخذون، ويصلون كما تصلون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها).
وكم ذي معاص نال منهن لذة ومات فخلاها وذاق الدواهيا وتصرم لذات المعاصي وتنقضي وتبقى تباعات الذنوب كما هيا فيا سوأتا والله راءٍ وسامعٌ لعبد بعين الله يغشى المعاصيا