والصدق في المجاهدة مع الله عز وجل: ألا تختار غير الله عز وجل، ولا تقدم عليه أحداً، قال الله عز وجل:{هُوَ اجْتَبَاكُمْ}[الحج:٧٨] أي: اصطفاكم، فلا تختر على الله عز وجل ولا تقدم عليه أحداً، كما لم يقدم عليك ولا على المسلمين أحداً بأن اصطفى هذه الأمة.
والصدق في التوبة مع الله عز وجل.
فهذا بشر بن الحارث الحافي، الذي قال عنه الناس: ما أخرجت بغداد أتم عقلاً منه، والإمام أحمد كان إذا سئل في مسألة عن الزهد والورع، قال: تسألوني عن الزهد وفيكم بشر؟ قالوا: إنه كان في بداية حياته ماجناً، وكان يسرق، وبينما هو يدعو إخوانه إلى ليلة عنده، إذ مر ذاهب بالباب فطرق قصر بشر بن الحارث، فلما خرجت إليه الجارية، قال لها: قصر من هذا، قصر عبد أم حر؟ فقالت له: قصر حر، فقال: صدقت لو كان عبداً لاستعمل آداب العبودية، ثم مضى، فخرج بشر حافياً وراءه، لما سأل الجارية عما قاله، وما لبس نعلاً وظل حافياً طيلة حياته، قال: حال لقيت الله عز وجل بها لا أغادرها أبداً، فلقب بالحافي، ويوم موته خرجوا به وقت صلاة الغداة وما وضعوه في قبره إلا بعد العشاء.
علي بن المديني يقول: هذا والله! عز الدنيا قبل عز الآخرة، وهذا شرف الدنيا قبل شرف الآخرة.
وكان أبو محمد حبيب العجمي مرابياً، وكان إذا خرج إلى الشارع يخرج الأطفال حوله يهتفون وراءه: هذا أبو محمد حبيب العجمي المرابي، فجلس مجلساً للحسن البصري فتاب إلى الله عز وجل، وتصدق بجميع ماله، فكان بعد ذلك إذا خرج إلى السوق يقول الأطفال: هذا أبو محمد حبيب العجمي الزاهد.
إن تصدق الله يصدقك، يقول أبو عبد الرحمن الزاهد: ويلي! من أشد جرماً؟ يا مولاي! عاملتُ عبادك بالصدق والأمانة، وعاملتك بالخيانة!! اتق يوماً تقف فيه أمام الله عز وجل، ليس بينك وبينه ترجمان، تنظر عن يمنيك ما ترى إلا ما قدمت، وتنظر أشأم منك فلا ترى إلا النار.
أنا العبد الذي كسب الذنوبا وصدته الأماني أن يتوبا أنا العبد المسيء عصيت سراً فمالي الآن لا أبدي النحيبا أنا الغدّار كم عاهدت عهداً وكنت على الوفاء به كذوبا أنا العبد المخلف عن أناس حووا من كل معروف وطيبا فيا أسفا على عمر تقضى ولم أكسب به إلا الذنوبا وأحذر أن يعاجلني ممات يحير هول مصرعه اللبيبا أنا العبد الفقير مددت كفي إليكم فادفعوا عني الخطوبا أنا العبد الغريق بلج بحر أصيح لربما ألقى مجيبا أنا العبد السقيم من الخطايا وقد أقبلت ألتمس الطبيبا أنا المضطر أرجو منك عفواً ومن يرجو رضاك فلن يخيبا انظروا إلى توبة ماعز الذي ارتكب الزنا ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(والله! لقد تاب توبة لو قسمت على أمة لعمتهم).
وانظروا إلى الغامدية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن زنت وتابت إلى الله عز وجل:(والله! لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبلت منه).
وهذا كعب بن مالك عندما تاب الله عليه قال له النبي صلى الله عليه وسلم:(أبشر يا كعب بخير يوم خرج عليك منذ ولدتك أمك).