[فضل قيام الليل في رمضان وغيره]
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله حبيب قلوب الوالهين، ومنتهى رغبة السالكين، ومحط آمال الراحلين.
ورمضان يا إخوتاه شهر القيام، وشهر التراويح، وشهر التهجد، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة غرفاً ترى ظهورها من بطونها، وباطنها من ظاهرها، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟! قال: لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام).
شهر رمضان يا إخوتاه شهر الإخلاص في الصوم والقيام، يقول قتادة: كان يقال: ما قام الليل منافق.
والصلاة في الليل تبعث على الإخلاص، وقيام الليل ليس فيه رياء، وصحته على ركني هذا الشهر: الصيام والقيام، فبهما يطرد كل رياء من القلوب، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن رجل ينام الليل أجمعه فقال: (ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه).
يقول الحسن البصري: إنه والله بول ثقيل، يقول لك الشيطان: عليك ليل طويل فنم ولا تستيقظ، وعلى الطرف الآخر يقول الله تبارك وتعالى لجبريل: أقم فلاناً وأنم فلاناً؛ حتى لا يساوي الحيوانات العجماوات، ولا يساوي الطيور العجماوات.
تقول السيدة عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم إذا سمع الطارق وهو الديك، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول في حديث حسنه المناوي والألباني: (لا تسبوا الديك؛ فإنه يوقظ للصلاة).
إذاً فهذا الديك هو أحسن من بعض البشر الذين يوقظون للمعاصي، (لا تسبوا الديك؛ فإنه يوقظ للصلاة).
صاح الديك فلم تنتبه، فأعاد فلم تفق، فقوى برد الجناحين فخطم خديه حزناً على مصيبته.
قم بنا يا أخي لما نتمنى واطرد النوم بالعزيمة عنا قم فقد صاحت الديوك ونادت لا تكون الديوك أطرب منا {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٦ - ١٧].
وقال تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٧ - ١٨].
وقال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:٧٩].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:١ - ٦].
وقال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:٧ - ٨]، فإذا فرغت من الفريضة فانصب لصلاة الليل، كما قال ابن مسعود.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم).
فعادة الصالحين الطيبين قبلكم أن يقوموا الليل، فإذا قام العابد إلى مصلاه قالت له الملائكة: طوباك سلكت منهاج العابدين من قبلك، (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة منكم إلى ربكم، ومنهاة عن الإثم، ومكفرة للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد).
وحينما تذهب إلى أي طبيب في أمراض الروماتيزم فكل ما يعطيك من أدوية: بلكريم ونحو ذلك، فكل هذه الأدوية مسكنة ولا تقضي على المرض، ولم يخترع علاج على مستوى العالم إلى الآن لأمراض الروماتيزم، وهناك طبيب من أعظم أطباء مصر حينما قال: لقد اخترعت علاجاً لأمراض الروماتيزم، أوقف من النقابة ٦ أشهر عن مزاولة المهنة، وقد أتى بها الرسول منذ أربعة عشر قرناً.
وهناك بحث أعده أطباء القصر العيني بالتعاون مع كلية الطب بحلوان وأشرفت عليه كل كليات الطب في العالم الإسلامي، أخذوا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (ومطردة للداء عن الجسد) هذه الفقرة فقط وأجروا بحثاً على ثلاثين رجلاً يصلون التراويح، وثلاثين آخرين لا يصلون التراويح، فأثبتوا أن الذين يواظبون على صلاة التراويح ارتفعت عندهم الكفاءة الوظيفية للقلب مع مرونة جميع فقرات العمود الفقري، واختفاء كل الآلام الروماتيزمية من المفاصل، هذا لمن يطلب المادة، وأما من يطلب الآخرة فهناك شيء آخر لقيام الليل، فقد جاء رجل من قضاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (يا رسول الله! أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته، ممن أنا؟ قال: من الصديقين والشهداء)، فالذي يواظب على صلاة التراويح يكتب عند الله تبارك وتعالى من الصديقين والشهداء.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فقال لي: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزّه استغناؤه عن الناس).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله! ماذا أنزل الليلة من الفتن، ماذا أنزل الليلة من الخزائن، من يوقظ صواحب الحجرات) يعني: أمهات المؤمنين، (يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة).
والمصطفى صلى الله عليه وسلم يطرق علياً وابنته فاطمة ليلاً وقال: (ألا تصليان؟ فقال علي: يا رسول الله! إنما أنفسنا بيد الله إذا شاء أن يبعثنا ابتعثنا، يقول علي: فسمعته وهو مول يضرب فخذه ويقول: {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف:٥٤]).
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مؤمن يسأل الله عز وجل فيها شيئاً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك في كل ليلة).
والرسول صلى الله عليه وسلم يمر بـ سالم مولى أبي حذيفة فيجده يتهجد بصلاة الليل، فقال: (الحمد لله الذي جعل في أمتي مثله).