والرميصاء بنت ملحان أم سليم امرأة من أهل الجنة، مثل كريم في الصبر، وفي الدعوة إلى الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بـ الرميصاء بنت ملحان، امرأة أبي طلحة، فسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا بلال).
وكانت حياتها مليئة بالأعاجيب النيرة المشرقة، توحي بسموها وعلوها.
قالت أم سليم: آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو أنس وكان غائباً، فقال: أصبوت -أي: أكفرت-؟! فقالت: ما صبوت ولكني آمنت، وجعلت تلقن أنساً وهو يرضع: قل: لا إله إلا الله، قل أشهد أن محمداً رسول الله، ففعل، فيقول لها أبوه: لا تفسدي علي ابني، فتقول: إني لا أفسده، ولكني أعلمه دينه.
فخرج مالك فلقيه عدو فقتله، فقالت: لا جرم لا أفطم أنساً حتى يدع هو الثدي، ولا أتزوج حتى يأمرني أنس، أي: حتى يكبر أنس ويأمرني بذلك.
وخطبها أبو طلحة وهو مشرك، فأبت وقالت له يوماً: أرأيت حجراً تعبده لا يضرك ولا ينفعك؟ أو خشبة تأتي بها النجار فيضع لك منها صنماً هل يضرك أو ينفعك؟ قال: ووقع في قلبي كلامها، فقلت: إن آمنت، قالت: إني أتزوجك، ولا آخذ صداقاً منك غير الإسلام.
فقال أنس: تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام، وكان أفضل صداق في الإسلام.
أما صبرها الجليل، فهذه المرأة العظيمة لما مرض أخ لـ أنس من أبي طلحة يدعى أبا عمير، فبينا أبو طلحة في المسجد مات الصبي، فتهيأت أم سليم وقالت: لا تخبروا أبا طلحة بموت ابنه، فرجع من المسجد وقد تزينت وتصنعت، فقال: ما فعل ابني؟ قالت: هو أسكن مما كان، فقدمت عشاء فتعشى هو وأصحابه الذين قدموا معه، ثم قامت إلى ما تقوم له المرأة فأصاب من أهله، فلما كان آخر الليل قالت: يا أبا طلحة! ألم تر إلى أهل فلان استعاروا عارية فتمتعوا بها، فلما طلبت إليهم شق عليهم، قال: ما أنصفوا، قالت: فإن ابنك فلاناً كان عارية من الله، فقبضه الله إليه، فاسترجع وحمد الله وقال: والله! لا أدعك تغلبيني على الصبر حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي:(بارك الله لكما في ليلتكما)، فاكتملت منذ الليلة على عبد الله بن أبي طلحة ولم يكن في الأنصار شاب أفضل منه، وخرج منه رجال كثيرون، ولم يمت عبد الله حتى رزق عشرة بنين، كلهم حفظ كتاب الله عز وجل.