لا يشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون صاحبهما ممتثلاً لهما
فالأمر بالمعروف وفعل المعروف واجبان لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح أقوال أهل العلم، فأمرك بالمعروف واجب، وفعلك المعروف واجب، فلا يسقط أحدهما بترك الآخر، يعني: إن تركت واحداً منهما فلا تترك الأمر الثاني وهو الأمر بالمعروف، قال الإمام ابن كثير: كل من الأمر بالمعروف وفعله -يعني: فعل المعروف- واجب لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح أقوال أهل العلم من السلف والخلف.
وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعصية لا ينه غيره عنها، وهذا ضعيف، وأضعف منه من يتمسكون بهذه الآية فإنه لا حجة لهم فيها، والصحيح: أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه.
قال سعيد بن جبير: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر، ومن يعظ العاصين بعد محمد صلى الله عليه وسلم؟! والأغلب أن الناس عصاة، فليس هناك من كمل في صفاته وأخلاقه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام مالك بن أنس: وصدق سعيد بن جبير: من ذا الذي ليس فيه شيء؟ وقال العلامة الشيخ السعدي: فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله، أو نهاه عن الشر فلم يتركه دل على عدم عقله وجهله، خصوصاً إذا كان عالماً بذلك قد قامت عليه الحجة، وهذه الآية وإن كانت قد نزلت في بني إسرائيل فهي عامة لكل أحد، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ}[الصف:٢].
يقول: وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين: واجب الأمر بالمعروف، وواجب فعل هذا المعروف، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره ونهيه، وأمر نفسه ونهيها، فترك أحد الواجبين لا يكون رخصة في ترك الآخر، والكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر فليس في رتبة الأول وهو دون الأخير.