يقول سيدنا الفضيل بن عياض: التواضع أن تنقاد للحق ولو سمعته من صبي أو من جاهل.
والتواضع عند سيدنا عبد الله بن المبارك شيء آخر: وهو أن تكون عندك عزة نفس عما في أيدي الناس.
ويقول: رأس التواضع أن تضع نفسك عند من هو دونك في نعمة الدنيا، حتى تعلمه أنه ليس لك بدنياك عليه فضل، وأن ترفع نفسك عمن هو فوقك في نعمة الدنيا؛ حتى تعلمه أنه ليس له بدنياه عليك فضل.
وهذا هو معنى قولهم: الكبر على أهل الكبر صدقة.
وأتى رجل حسن الصورة من أبناء الدنيا إلى ابن المبارك فقال الرجل: ما أعظمك؟ قال: لا، بل هي عزة الإسلام، قل ما أعزك؟ ولذلك فإن التكبر على أبناء الدنيا تواضع؛ لأنه في الحقيقة عز النفس، وهذا غير مذموم، قال الله تبارك وتعالى:{يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}[الأعراف:١٤٦]، ومعناه: أن هناك تكبراً بالحق بأن يترفع المرء بنفسه وقيمته عن أبناء الدنيا.
ومن التكبر بالحق أن ابن دقيق العيد يمد يده لسلطان والسلطان يقبله، فهذا تكبر بالحق، وليس تكبراً مذموماً.
ومن التكبر بالحق أن سيدنا مالك بن أنس كان لا يخص أحداً بالدرس، فيظل فإذا جاءه رجل فإنه يقف ببابه مستشرفاً من أجل أن يخرج عليه، فتخرج إليه جارية سوداء؛ ثم تأتي له بكرسي وتقول له: اجلس هاهنا حتى يخرج الشيخ.
فهذا نوع من التكبر بالحق على أبناء الدنيا.
ودخل ابن السماك على هارون الرشيد وقال: يا أمير المؤمنين! والله لتواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك، قال: ما أحسن هذا الكلام! ثم قال له: إن امرأً آتاه الله جمالاً في خلقه وموضعاً في حسبه، وبسط له يده، فعف في جماله وواسى في ماله وتواضع في حسبه كتب في ديوان الله عز وجل من خالص أوليائه، فدعا هارون الرشيد بدواة وقرطاس وكتب هذا الكلام بيده.