وأما لسان الصدق فهو: الثناء العطر للصالحين من عباد الله عز وجل، ولأنبياء الله ورسله بعد موتهم وبعد أن تغيب أشخاصهم في جوف الثرى، فيلهج الله عز وجل ألسنة الخلائق بمدحهم، وهذا بخلاف من يذمونه، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما مروا عليه بالجنازة:(مستريح ومستراح منه، قالوا: يا رسول الله! من المستريح ومن المستراح منه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المستريح العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وتعبها إلى سعة رحمة الله عز وجل، والمستراح منه العبد الكافر أو الفاجر أو المنافق تستريح منه البلاد والعباد والشجر والدواب) وحتى الجماد يستريح منه.
وأما الصالحون فيبكي عليهم ممشاهم ومغداهم إلى المسجد، ومصعد عملهم إلى السماء، قال الله تبارك وتعالى عن فرعون وقومه:{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ}[الدخان:٢٩]، وبمفهوم المخالفة يكون معنى هذا: أن الأرض والسماوات تبكي على موت الصالحين.
فموتهم جنازة لأهل الأرض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف كما تتراءون النجم الغابر في الأفق؛ لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها أحد سواهم، قال: والذي نفسي بيده! رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وأنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وأنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).
وقال الحارث المحاسبي: الصادق هو الذي لا يبالي ولو خرجت كل محبة له من قلوب الخلق في سبيل أن يصلح ما بينه وبين مولاه قيد أنملة.
قالوا: ومن الصدق ألا يتمنى أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله الصالح، ويرجو أن يكون بينه وبين الله عز وجل خبء من عمل صالح لا يطلع عليه أحد من البشر حتى ولو كانت زوجته.
وهذا كما قال القائل: ويبدو لك في مضمر القلب والحشا سريرة حب يوم تبدو السرائر وقال أبو تراب النخشبي: إن الصادق يرزقه الله عز وجل حلاوة العمل قبل الشروع فيه.
يعني: إذا علم الله عز وجل الصدق من قلبك وأنت عازم على العمل رزقك حلاوته قبل أن تبدأ فيه.