الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ثم أما بعد: من أسباب الخوف: أن يخشى الإنسان حلول العذاب، ويخشى أن يعاقبه الله عز وجل ويعجل له العقوبة في دار الدنيا على معاصيه، وكان هذا لا يدع الصالحين ينامون.
فـ الربيع بن خثيم -تلميذ سيدنا عبد الله بن مسعود، وكان من أحب الناس إليه، وكان إذا خلا به لا يأذن عبد الله بن مسعود لغيره من التابعين- تقول له ابنته: ما لي أرى الناس ينامون ولا تنام؟ فقال: إن أباك يخشى البيات.
والبيات هو: حلول عذاب الله ليلاً.
وتقول له أمه: يا ربيع! يا بني! أقتلت نفساً؟ فيقول: بلى.
فتقول: فوالله! لو علم أهل القتيل ما تلاقي بسبب قتيلهم لرحموك من كثرة البكاء، فيقول: قتلت أعز الأنفس علي، قتلت نفسي بالمعاصي.
ومالك بن دينار يقول: لولا أن تكون بدعة لوضعت التراب على رأسي وقلت: أيها الناس! من رآني فلا يعصي ربه، هذا ذل العاصي في دار الدنيا فكيف في الآخرة.
وكان يقول: لو أن لي أعواناً لفرقتهم في منارات الدنيا يصيحون في الناس: النار النار، أي: لا تنسوا النار.
وله شاهد من حديثه صلى الله عليه وسلم:(أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار).
ويقول: لولا أن تكون بدعة لم أسبق إليها عند الموت، فإنه إذا جاءني الموت لوضعت الغل في عنقي وقلت لهم: اسحبوني وامضوا بي كما يمضى بالعبد الآبق إلى سيده.
وقال: بينا أنا أطوف إذا بجويرية صغيرة تقول: يا رب! أفما كان لك أدب تؤدب به من عصاك إلا النار؟ أي: يا رب! أما اخترت عقوبة وأدباً للذي يعصيك غير النار؟ قال: فما زال هذا مقامها إلى الصباح.
قال: فلما رأيت هذا من جويرية صغيرة وضعت يدي على رأسي وقلت: ثكلت مالكاً أمه، أفما كان لك أدب تؤدب به من عصاك إلا النار؟