[التقرب إلى الله بالنوافل]
السبب الثاني: التقرب إلى الله تبارك وتعالى بالنوافل بعد الفرائض، فإنها توصلك إلى درجة المحبوبية، فتكون محبوباً لله عز وجل، كما قال الله عز وجل: (وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها).
ولابد من أداء الفرائض أولاً قبل النوافل، فصلاة الفجر مقدمة على قيام الليل، فإذا أديت صلاة الفجر فهذا خير وبركة، والناس كلهم يصلون الفجر، ويواظبون عليها، لكن المراد أن النوافل كقراءة القرآن تجعل الرجل من وفد الله، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن لله أهلين من الناس، قالوا: من هم يا رسول الله؟! قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته).
فالتقرب إلى الله عز وجل بأداء الفجر في جماعة يجعلك من أهل وفد الله، وإن الملك ليغدو برايته كما قال سيدنا رسول الله مع أول من يدخل المسجد، يخرج مصاحباً له حتى يدخله المسجد، ثم يخرج معه حتى يوصله إلى بيته.
فبداية التقرب إلى الله عز وجل بالفرائض، ثم بعدها بالنوافل، فيكون هذا دائماً حال الواحد منا.
ثم بعد الفرائض تأتي النوافل، ودرجات القرب من الله عز وجل لا يحيط بها عقل البشر، وإنما مثل الرسول صلى الله عليه وسلم بأمثلة فقط، ولم يذكر درجات، عندما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (من تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً) ومن تقرب منه باعاً سكت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقرب درجات لا تحيط بها عقول البشر: (ومن أتاني يمشي أتيته هرولة) و (من أتاني هرولة) سكت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: خل الهوى لأناس يعرفون به قد كابد الحب حتى لان أصعبه أو كما يقول العلامة ابن القيم: ما زلت أنزل من ودادك منزلاً تتحير الألباب عند نزوله فدرجات القرب هذه: لا يحيط بها عقل بشري.
يقول: وليس القرب في هذه المراتب كلها قرب مسافة حسية، ولا مماسة، بل هو قرب حقيقي، والرب تبارك وتعالى فوق سمواته، والعبد في الأرض، وهذا الموضع هو سر السلوك، وحقيقة العبودية، وملاك هذا الأمر هو: إخلاص التقرب إلى الله أولاً، ثم التقرب ثانياً، ثم حال القرب ثالثاً، وهو الانبعاث بالكلية إلى الحبيب.
يعني: من تقرب إلى الله عز وجل بالجوارح، (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها).
كذلك نوافل الصيام والصدقة، فمن صلى اثنتا عشرة ركعة في يوم واحد بنى الله له بيتاً في الجنة، وهي السنن الرواتب، ثم بعد ذلك صلاة الوتر والمحافظة عليها، قال الإمام أحمد: واعلم أن من استمر على ترك صلاة الوتر فهو فاسق ترد شهادته.
ثم هناك بعد ذلك تطوعات: كصلاة الضحى، يقول صلى الله عليه وسلم: (من مشى إلى المسجد في نافلة) قال أهل العلم: هي صلاة الضحى (كانت له كأجر عمرة).
ثم يواصل الصيام وليس الإثنين والخميس فقط، أو صوم يوم عرفة فقط، أو عاشوراء فقط، أو صوم يوم وإفطار يوم، بل إن النوافل التي وردت في الصوم كثيرة ومتعددة منها: صيام وإفطار يوم، وهذا صيام نبي الله داود، وهو أفضل الصوم، وكذلك صيام السبت والأحد والإثنين من شهر، والثلاثاء والأربعاء والخميس من شهر كما كانت تفعل السيدة عائشة، أو صيام أربعة أيام في الشهر، أو خمسة، أو سبعة أو تسعة أو عشرة، كل هذا ورد في السنة.
كذلك التقرب إلى الله عز وجل بالصدقات، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إذا أردت أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك امسح رأس اليتيم، وأدنه منك، وأطعمه من طعامك، وأسقيه من شرابك).
كذلك تعليم العلم وتعلمه، فتعلم الناس مثلاً شرح العقيدة الواسطية، وكثير من طلبة العلم يغفل عن التدريس يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) يعني: مفروض أنكم تجلسون جلسات لحفظ القرآن وتعليمه، ولابد لكل طالب علم أن يأخذ مجموعة من التلاميذ يعلمهم كتاب الله تبارك وتعالى.
كذلك النساء لابد لهن من دور في ذلك، ولابد أن نصلح مجال المرأة في الدعوة إلى الله عز وجل، فالمرأة المصرية أم إسماعيل شرف الله بها الكون، ونزل جبريل أمين وحي السماء تتويجاً لصدقها يضرب الأرض بعقبه، فتتفجر زمزم فهي ينبوع الرحمة في صحراء الجدب، وقد قالت لإبراهيم: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً: فلن يضيعنا، فهي أعظم امرأة رسمت معاني التوكل على الله.
يا درة حفظت بالأمس غالية واليوم يرجونها للهو واللعب هل يستوي من رسول الله قائده دوماً وآخر هاديه أبو لهب وأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطى حمالة الحطب فلو أن كل أخ عمل لزوجته برنامجاً يقول لها: احفظي آيتين عند الفجر، وآيتين عند الظهر، وآيتين عند المغرب، وآيتين عند العشاء، ثم تقوم الليل وهي ماسكة المصحف تكرر العشر الآيات إن شاء الله ستين مرة يُكتب لها حظها من قيام الليل ومن قراءة القرآن، وعشر آيات تحفظها في اليوم والليلة، ولا يمر عليها سنتان بالضبط حتى تكون حافظة للقرآن كله، وتكون صادقة مع ربها ولا ينفع إلا الصدق مع الله عز وجل.
سئل الإمام أحمد عن الصدق والإخلاص؟ قال: بهذا ارتفع القوم.
فالتصدق بتعليم الناس القرآن والعلوم الشرعية يعتبر أولى من أن يتصدق الرجل ببدنه وجاهه، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (خير الناس عند الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تقضي عنه ديناً، أو تطعمه خبزاً) أو في رواية: (أو تطرد عنه جوعاً).