المشهد الثالث: مشهد العفو والصفح والحلم: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً).
وسيدنا الأحنف بن قيس الذي كان يضرب به المثل في الحلم قال له رجل: علمني الحلم، قال: هو الذل يا ابن أخي! أتصبر عليه؟ يعني: عندما تجد رجلاً يشتمك وأنت ساكت وتستطيع أن ترد عليه وترد له الصاع بمليون صاع، ولكنك تعفو عنه لوجه الله عز وجل، فهذا في ظاهره الذل، ولكن في باطنه كمال العز.
ومن أخبار الأحنف بن قيس أن رجلاً شتمه فسكت عنه، فشتمه الرجل مرة ثانية فسكت عنه، فأعاد فسكت عنه، فبكى الرجل وقال: والهفاه! ما يمنعه أن يرد علي إلا هواني عنده! وشتمه رجل حتى أوصله إلى خيام أهله، أي: إلى منازل أهله، فلما وصل الأحنف بن قيس قال: يا هذا! إن كان بقي عندك شيء فهاته؛ لأنني قربت من منازل الحي، فلا يسمعك بعض سفهائنا فتلقى ما تكره.
وسيدنا قيس بن عاصم المنقري الذي تعلم منه الأحنف بن قيس الحلم قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:(هذا سيد أهل الوبر).
قال الأحنف: ما تعلمت الحلم إلا من قيس بن عاصم، فقد قتل ابنُ أخ له بعضَ بنيه، فأُتي بالقاتل مكتوفاً يقاد إليه، فقال: ذعرتم الفتى -أي: خوفتم الفتى- ثم أقبل على الفتى فقال: بئس ما فعلت، أنقصت عددك، وأوهنت عضدك، وأسندت عدوك، وأسأت لقومك، وأثمت بربك، وقطعت رحمك، ورميت نفسك بسهمك، خلوا سبيله واحملوا إلى أم القتيل الدية؛ فإنها من غير قومنا.
ثم انصرف القاتل وما حل قيس حبوته ولا تغير وجهه.
يا من تنهش في أحشائي يا من جزء من أجزائي يا من تبدو للجهال كأنك دائي إني أعلم أنك حتماً فيك شفائي قل لي هل يأتيك ندائي إنك مثلي إنك مسلم تشهد أن إلهك واحد إنك فيها من شركائي لكنك دوماً تطعنني من خلفي وفي كعب حذائي حين أراك تقوم بهذا يغرقني خجلي وحيائي ووشاة القوم إذا بانوا تسري الطعنة في أحشائي قل لي هل يأتيك ندائي ابغ العزة عند إلهك ليس العز دمي وبكائي وغداً من قواك يميتك إن أنت أهملت ندائي