[بيان انحرافات أعلام المدرسة العقلية في هذا العصر]
ومن أهم رجال هذه المدرسة أيضاً: مصطفى المراغي ومحمود شلتوت وعبد القادر المغربي، فقد خالفوا الإسلام وانحرفوا في مجال العقيدة وفي الكلام عن أمارات الساعة، فأنكروا أحاديث المهدي، مع أن العلماء حكموا أنها متواترة، فقد رفضوها بتاتاً، وقالوا: إن فكرة المهدي أصلاً اقتبسها المسلمون من اليهود الذين قالوا: بعودة المسيح وظهوره مرة أخرى.
وأنكروا أحاديث الدجال، مع أن الأحاديث فيه متواترة كما قال الحافظ ابن كثير.
وقال الإمام النووي: إن الذي ينكر أحاديث الدجال المتواترة هم الخوارج والجهمية وبعض أهل الاعتزال.
وأنكروا أيضاً ظهور الدجال، وقالوا: إن أحاديثه مضطربة.
وأولوا العرش بالملك في قول الله عز وجل: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:١٧]، وقالوا: العرش هنا كناية عن الملك والسيطرة.
وأولوا صحف الأعمال التي يأخذها العبد يوم القيامة باليمين أو بالشمال، وقالوا في قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الحاقة:١٩] يعني: كناية عن التفاؤل، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} [الحاقة:٢٥] قالوا: كناية عن الانتظار.
ومحمد فريد وجدي كان يقول بعقيدة الجبر، وخالفه الشيخ محمد عبده فكان يقول بالاختيار، وكان محمد فريد وجدي يقول أيضاً: إنه يؤمن بتحضير الأرواح.
وفي مجال المعجزات: أنكروا كل معجزة، وقالوا: إن هذه المعجزات لا يستطيع العقل أن يكيفها، وهي ليست حكراً على الرسل، وأما المعجزات القديمة التي حكاها الله في كتابه عن الأنبياء فقد نقل عنهم الشيخ محمد رشيد رضا: أن وجود هذه المعجزات في القرآن الكريم كانت سبباً في إحجام الناس عن الإسلام، يعني: لو أن القرآن لم تكن به هذه الأشياء لكان مفكرو الغرب وأهل العقل منهم أسلموا، ولكن الذي صدهم عن الإسلام المعجزات القديمة للأنبياء القدامى، قالوا: وكل الأديان السابقة كانت تصادم العقل إلا الدين الإسلامي فإنه أتى في مرحلة وجوب نضوج العقل فلم يحتج دين الله عز وجل إلى معجزة؛ لأن المعجزات يعاقب بها المولى عز وجل منكري النبوات، والله عز وجل جعل المعجزات دليلاً على صحة وصدق الرسل، وهم ينكرونها بتاتاً.
ومحمد حسين هيثم في كتابه: (محمد) أنكر كل معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم إلا القرآن فقط، فأنكر انشقاق القمر، مع أن الأحاديث الواردة في انشقاق القمر لرسول صلى الله عليه وسلم بلغت حد التواتر ومع هذا أنكرها، فهم إما أن يؤولوا المعجزات أو ينكروها.
وخالفوا أهل السنة والجماعة في الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة وقالوا: إن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد، وإنما يؤخذ بالحديث المتواتر، فخالفوا بذلك عقيدة أهل السنة والجماعة.
واختلفوا في أصل الإنسان هل هو سيدنا آدم أم لا؟ واضطربوا في ذلك اضطراباً عظيماً، ومال محمد عبده إلى أن أصل الإنسان ليس آدم، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم لآدم وآدم من تراب)، وقال: كثير من الناس البشر لا يعرفون آدم ولا حواء كأهل الصين والهند، وأنه يستوي عندهم أن يكون أصل الإنسان آدم أو القرد.
بل نقل محمد رشيد رضا عن الإمامية والصوفية: أنه كان قبل آدم المشهور آدميون كثيرون، يعني: آدم وآدم وآدم وآدم، ونقل عن الإمامية: أن الله تبارك وتعالى خلق قبل آدم ثلاثين آدماً، بين كل آدم وآدم ألف سنة! فهم يأتون بكلام الشيعة ويردون الأحاديث الصحيحة المتواترة.
وأما مقالته في الملائكة فأغرب وأعجب، يقول محمد عبده عن الملائكة: يشعر كل من فكر في نفسه ووازن بين خواطره أنه عندما يهم بأمر فيه وجه للحق والخير ووجه للباطل أن في نفسه تنازعات، فنوازع الخير عند الإنسان هذه هي الملائكة! وأين يأتي بحديث مجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض الثياب لا يرى عليه أثر غبار السفر، وجعل يسأله؟! فهل كانت مواد الخير هذه ممثلة في شخص تأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثه وتكلمه؟! ويقول في قول الله عز وجل: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:٣٤]: كل هذا من القصص التمثيلي، يعني: لم يكن هناك سجود ولا شيء، نسأل الله أن يثبت علينا عقولنا.
ويقول: إن الله تعالى لما خلق الأرض ودبرها بما شاء من القوى الروحانية التي بها قوامها ونظامها، جعل كل صنف من القوى مخصوص بنوع من أنواع المخلوقات لا يتعداه ولا يتعدى ما حدد له من الأثر الذي خص به، وخلق بعد ذلك الإنسان وأعطاه قوة يكون بها مستعداً للتصرف في جميع هذه القوى، وتسخيرها في عمارة الأرض، فعبر الله عن تسخير هذه القوى له بالسجود! فهل يصح أن يقال: إن الله عز وجل عبر عن تسخير كل ما في الأرض لابن آدم بسجود الملائكة لآدم؟! هذا القول لا يقوله أحد.
وأما عن عقيدته في الجن فيقول: إن الجن لا يستبعد أن يكونوا عالم الميكروبات.
ويقول في قول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:٢٧٥]: المس هو: الصرع والأمراض العصبية، وسببها بإذن الله تلك الجراثيم التي تدخل جسم الإنسان! ويقول في قول الله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:٢٧] عن الشيطان وقبيل الجن: تلك الميكروبات ترانا من حيث لا نراها، ولكن الله سبحانه مكننا من رؤيتها بالميكرسكوبات! وأما الحديث الذي رواه الإمام البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه والدارمي وأحمد وفيه: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) فيقول عنه: لا شك أن الجراثيم تلك تجري في خلايا جسم الإنسان وفي دمه، حيث تنقل الأمراض وتسري في البدن! ويقول في الحديث الذي رواه الإمام مسلم وأحمد والدارمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه؛ فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب): ولا شك أن الفم من أهم مداخل الميكروبات إلى جسد الإنسان، ولاسيما إذا كان في حال التثاؤب، فقد يلج منه ذباب أو ميكروبات وجراثيم لا نراها، فوضع اليد على الفم من أجل ألا تدخل الميكروبات! ويقول في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات؛ فإن الشيطان يبيت على خياشيمه): ولا شك أن الخياشيم من مداخل الميكروبات إلى جسم الإنسان! ويقول عن حديث: (فناء أمتي بالطعن والطاعون): والطاعون أيضاً هو من فعل الميكروبات! هذا مما أخذه أهل العلم على محمد عبده.