إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
ثم أما بعد: فقد وصلنا إلى قول الله عز وجل: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}[النجم:١١]، وفي القراءة السبعية أيضاً:(ما كذّب الفؤاد ما رأى) يعني: ما كذب الفؤاد ما رآه البصر، فصار مشهد البصر والبصيرة واحداً.
وذكرنا مذهب أهل السنة والجماعة في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه يقظة أو عياناً، واختلاف أهل العلم في ذلك، والرأي الراجح: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه إلا مناماً، لكن هذه قضية اختلف فيها علماء الأمة؛ فلا يسفه أحد رأي الآخر، يعني: تجد من جملة من يثبتون الرؤية ابن عباس على قول، وعكرمة مولى ابن عباس والحسن البصري وعروة بن الزبير أحد فقهاء المدينة السبعة، وابن شهاب الزهري، والإمام المحدث الحافظ ابن حجر العسقلاني، وإمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة وعليه أكثر الأشاعرة.
والذين ينفون الرؤية: السيدة عائشة رضي الله عنها وأبو ذر وأنس وجمهور الصحابة، وهو الرأي الذي يميل إليه الإنسان ويرتاح إليه، وهو قول الإمام البيهقي، والإمام ابن كثير، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم.
ثم يقول الله تبارك وتعالى:{أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى}[النجم:١٢] والقراءة الأخرى: (أفتمْرونه على ما يرى) وهذه قرأ بها حمزة والكسائي وخلف ويعقوب، وهي قراءة سبعية صحيحة.
(أفتمارونه) بإثبات الألف يعني: أفتجادلونه، والقراءة السبعية الثانية أفادها التفسير؛ لأن الجدال قد يكون من أجل التبين، وقد يكون الدافع إليه الجحود فقط، فالقراءة الثانية:(أفتمرونه) يعني: أفتجحدونه، فهي أفادت معنى آخر، إذاً: هذا الجدال ليس جدال تبيين حقائق، وإنما جدال من أجل الجحد ودفع هذه الحقيقة.