للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اجتهاد رسول الله في قيام الليل]

ثم نأتي إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن رواحة: وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الفجر ساطع يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع وقال أحمد شوقي: محيي الليالي صلاة لا يقطعها إلا بدمع من الإشفاق منسجم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام الليل يقول في دعاء الاستفتاح: (اللهم لك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق).

وكان أيضاً إذا قام من الليل افتتح صلاته بهذا الدعاء: (اللهم رب جبرائيل وميكائل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).

وجبريل هو ملك الوحي، وهو الروح، وميكائيل: هو ملك القطر، وبه حياة الأرض، وإسرافيل: هو الذي ينفخ في الصور، فيدعو بهذا الدعاء ليعلم أن صلاة الليل حياة للقلب.

واعجباً للناس يبكون على من مات جسده، ولا يبكون على من مات قلبه.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، فتقول: يا رسول الله! أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً).

وعن عبد الله بن عمير قال: (دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: حدثينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت، فقالت: قام ليلة من الليالي فقال: يا عائشة! ذريني أتعبد لربي، قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما يسرك، ثم قام فتطهر فقام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بل حجره، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، وجاء بلال يؤذنه للصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله! تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة:١٦٤]).

رواه أبو الشيخ في أخلاق النبي، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام ثلث الليل قام فقال: (أيها الناس! اذكروا الله، جاءت الراجفة، من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) يذكر الناس بالموت وبالقيامة لعلهم يقومون لصلاة الليل، وربما قام الليل كله بآية يرددها إلى الصباح: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:١١٨].