للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب التواضع]

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما استكبر من أكل معه خادمه، وركب الحمار بالأسواق، واعتقل الشاة فحلبها).

أي: فهذه الأشياء تطرد الكبر عن الإنسان، وهي أنه يركب الحمار بالأسواق، ويأكل مع عياله وخدمه، ويعتقل الشاة، أي: يربطها ثم يحلبها على ملأ من الناس.

وهناك أشياء أخرى: وهي أن يخصف نعليه بيده، ويرقع ثوبه، ويرضى بلبس الصوف، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دخل البيت، فإنما هو في حاجة أهله، وكان يرقع ثوبه ويخصف نعله، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد إلا برأسه حَكَمَة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفعها، وإذا تكبر قيل للملك: دعها).

ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وذل في غير مسكنة، وأنفق مالاً جمعه في غير المعصية، ورحم أهل الذل والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة).

(وجلس جبرائيل عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل، فقال له جبرائيل: إن هذا ملك لم ينزل قط منذ خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد! أرسلني إليك ربك، أفملكاً نبيناً يجعلك أو عبداً رسولاً؟ فقال جبرائيل: تواضع لربك يا محمد! قال: بل عبداً رسولاً).

وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا عبد آكل أكل العبد وأجلس جلسة العبد).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل متكئاً.

وتقول السيدة عائشة: إنكم لتُغفلون أفضل العبادة التواضع.

فالتواضع هو أفضل العبادة؛ ومن التواضع رثاثة الثياب، كما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن البذاذة من الإيمان)، والبذاذة هي أن ترضى بأن تلبس الثياب الدون.

وبعض الإخوة ليس عنده إلا ثوب واحد، فلا يرضى أن يخرج من بيته إلا وثوبه مكوى، فإن لم فإنه يصلي في البيت، ويظل حبيس البيت حتى يأتوا له بقميص آخر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن البذاذة من الإيمان)، وكان في ثوب سيدنا عمر أمير المؤمنين أربع عشرة رقعة منها رقعة من الجلد، فكان يرقع الثوب، وكان في إزاره بين كتفيه أربع رقاع رآها أنس بن مالك وحكاها للناس.

ويدخل سيدنا علي بن أبي طالب في وليمة أعدها أبو موسى الأشعري وليس لقميصه جيوب.

ويدخل رجل إلى المدائن على سلمان الفارسي وعليه كساء ككساء الحمالين مرقوع، فقال له الرجل: تعال احمل معي هذا التبن، فحمل سيدنا سلمان التبن وهو الأمير، فلما رآه الناس قالوا له: أيها الأمير! فقال: والله لا أغير نيتي.

والذي يلبس ثياباً طيبة ولا يخالف الشرع فهو ليس من قبيل الكبر.

وسيدنا عيسى بن مريم يقول: جودة الثياب خيلاء القلب.

ويقول طاوس: والله إني لأغسل ثوبي فيتغير قلبي.

وعندما جاء سيدنا عمر لفتح بيت المقدس لبس ثوباً جديداً فتغير، ثم أتي ببرذون فركبه فشعر بالخيلاء فقال: هذا شيطان، إلي بقميصي وإلي بدابتي! ويقول عون بن عبد الله: من كان في صورة حسنة وموضع لا يشينه ووسع عليه في الرزق، ثم تواضع لله عز وجل، كان من خالص أولياء الله تبارك وتعالى.