للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصنف، وهذه العلة أظهر في المعنى وأولى بالصواب من سائر العلل؛ وذلك أنه يظهر من الشرع أن المقصود بتحريم الربا الذي فيه لمكان العين الكبير، وأما العدل في المعنى إنما هو إدراك التساوي؛ ولذلك لما عسر إدراك التساوي في الأشياء المختلفة الذوات جعل الدينار والدرهم بتقويمها ومعرفة تقديرها، وأما الأشياء التي يتأتى فيها الكيل فيدرك التماثل فيها بالكيل دون اعتبار القيمة، فوجب أن يكون الربا منوطًا بالكيل حيث ما جرى التمكين تحققت المماثلة، والله أعلم.

وأما الشافعية: فعمدتهم في التعليل بالطعم: الجمود إذا علل باسم مشتق: دل على أن ذلك المعنى الذي اشتق منه الاسم هو علة الحكم كالسرقة، والله تعالى يقول: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (١) فلما علق الحكم بالاسم المشتق منه وهو السارق: علم أن الحكم متعلق بتفسير السرقة، وكذلك الزنا.

فإذا كان ذلك كذلك مع ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طريق [معمر] (٢) بن عبد الله أنه قال: "الطعام بالطعام مثلًا بمثل" (٣)، فمن البَّيِّن أن الطعام هو الذي علق الحكم به.

وأما المالكية: فقد دعاها إلى تركيب العلة من جملة أوصاف الحرص على تكثير الفوائد، والتشوف إلى تمهيد القواعد؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - خص الأشياء بالتنصيص وجعلها كالأصول ليقاس المسكوت عنه عليها، فلو كان المقصود الكيل كما قاله الحنفي: لاكتفى بالنص على الواحد، وكذلك يقال للشافعية


(١) سورة المائدة الآية (٣٨).
(٢) في الأصل: معبد.
(٣) أخرجه مسلم (١٥٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>