للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضًا، فلما ذكر منها أعدادًا: علم أنه قصد بكل واحد التنبيه على ما في معناه، ويجمعها كلها الاقتيات والادخار فنص على البر الذي هو أعلى المقتات، ثم نص على الشعير الذي هو أدنى منه لينبه بالطرفين على الوسط، وتنتظم الحاشيتان ما بينهما، ومن عادة العرب العرباء وفصحاء الأدباء إذا أراد أحدهم ذكر جملة الشيء أن يقصد إلى ذكر [طرفه] (١) ونهايته، وكأن ذلك دلَّ على استيفائه من اللفظ الشامل.

وأما عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فعادة أهل زمانه أكل البُّر مع السعة والاختيار، وأكل الشعير مع [الضيق] (٢) والإقتار، فكان ذكره لهما تنبيهًا على السلت، والأرز، والدخن، والذرة؛ لأن من اعتاد أكلها في بعض البلدان إما أن يأكلها في حال السعة فيكون ذكر القمح منبهًا له على حكمها، أو في حال الضيق فيكون حكم الشعير منبهًا له، ولو أمكن أن يكون الدخن أو غيره هو الغالب في زمانه وقت الإقتار أصلًا لكان أن ينبه بها بدلًا من الشعير.

وأما التمر: فإنه وإن كان يقتات به ففيه ضرب من التفكه، والطبع يستحيله على أنه يؤكل على غير الاقتيات، فنص عليه تنبيهًا على سائر أنواع الحلاوات كالزبيب والسكر والعسل.

ولما علم - صلى الله عليه وسلم - أن هذه الأقوات لا يصلح اقتياتها إلا بعد إصلاحها، وإذا لم تعالج وتصلح كادت أن تلتحق بالعدم مثل بالملح على جميع أنواع التوابل المدخرة لإصلاح الطعام.

وأيضًا لما كان أصل المعقول لمعنى الربا حراسة الأموال وأن لا يعين بعضهم بعضًا: وجب أن يكون ذلك في أصل المعاش.


(١) في أ: طرفيه.
(٢) في أ: الضرر.

<<  <  ج: ص:  >  >>