وهذه العلة احتجت بها المالكية -على إخالتها ومناسبتها- في حطيط الدنو من علل المخالفين؛ لأن علل المخالفين متحدة الوصف، وعلة المالكية ذات أوصاف، والعلة كلما قلَّت أوصافها واتحدت أجزاؤها كان ذلك [دليلًا](١) على صحتها وأقرب إلى اقتناص الحكم بها؛ فإن الناظر يصوب نظره في العلة حتى تتماثل المناسبة والإخالة فيغلب على ظنه الوصول إلى المقصد وحصول المطلب، وأما إن شعبت الطرق، وعنت السبل، وكثرت أوصاف العلة: فإن الخاطر يتبدد وفكره يتبدد في تصحيح الأوصاف وتخليصه من الأسئلة الواردة على القياس، ولا يكاد يتصف فيه حد المدرك ويغص المسلك؛ ولهذا يقع الترجيح عند أرباب الأصول بالعلة المتحدة الوصف على الكثيرة الأوصاف.
وسر الخلاف بين الجميع: الجنس هل هو من أوصاف العلة، أو شرط من شروطها؟
فذهبت طائفة من الأصوليين إلى أن الجنس شرط للعلة ومحل لها.
وذهبت طائفة إلى أنه جزء من أجزاء العلة ووصف من أوصافها، ومبلغ الخلاف ومطلعه لا يفقهه إلا الغواصون في بحار المعاني؛ لافتقاره إلى الفراق بين الشرط والعلة مع تساويهما في العلمية، ويكاد هذا الفرق أن يكون أشكل الفروق، إلا على سماسرة الأصول فإنه عندهم أسنى من البروق وأطوى من الشروق.
وكيف لا يكون مشكلًا وهو علم كما أنها علم، والفرق بين علم وعلم يعسر، ولكن القوم قد اصطلحوا في الفرق على ظهور التأثير للوصف للحكم وأن يكون به مشعرًا وله ملائمًا، والشرط غير مؤثر في الحكم ولا