للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه من البشر، وأنه لا يعلم الغيب، ولا المحق من الخصمين من المبطل، وأخبر بأن حاله في ذلك كحال غيره؛ لأنه لا يعلم الغيب إلا ما اطلع عليه بالوحي.

ولما كانت الدنيا دار تكليف، وكانت الأحكام تجري على ذلك أجرى في غالب أحواله في هذا الوجه على أحوال سائر الحكام؛ ولذلك لم يقل في مسألة المتلاعنين أنه أعلم بالكاذب منهما؛ بل قال: يعلم الله أن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب؟.

وأما الخصال المستحبة فكثيرة، قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: لا ينبغي للرجل أن يكون قاضيًا حتى تكون فيه خمس ضلال: حتى يكون ورعًا، ويكون نزيهًا، ويكون عالمًا بما كان قبله من الأقضية.

وفي رواية أخرى عنه: ويكون عالمًا بالفقه والسنة ذا نزاهة عن الطمع مستحقًا كالأئمة، حليمًا على الخصم، مستشيرًا لذوي الرأي.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يصلح أن يلي هذا الأمر إلا حصيف العقل، قليل الغرة، بعيد المهمة، لا يطلع الناس منه على عورة، ولا يخشى في الله لومة لائم (١).

وقال أيضًا رضي الله عنه: لا يصلح أن يلي هذا الأمر إلا الشديد في غير عنف، اللين في غير ضعف، [الجواد] (٢) في غير سرف، البخيل في غير وكف، وربما قال: الممسك في غير بخل (٣).

قال مالك -رحمه الله: ولا أرى خصال القضاء تجتمع في أحد، فإذا


(١) أخرجه ابن أبي شيبة (٧/ ١١).
(٢) في أ: الجود.
(٣) أخرجه أبو عبيد في الغريب (٢/ ٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>