مكة والمدينة وبيت المقدس، فإنهم يجلبون إليها حيث ما كانوا، وأما أهل الآفاق: فإن كانت مواضعهم قريبة من مصر عشرة أميال ونحوها: فإنهم يجلبون إليها فيقسمون فيها.
وأما ما بعد عن المصر فوق عشرة أميال، هل يقسمون في مواضعهم أو أو يجلبون إلى المصر؟ فإنه يتخرج على قولين قائمين من "المدونة":
أحدهما: أنهم يقسمون في مواضعهم، ولا يجلبون إلى مصر، وهو نص قول مالك في "المدونة".
والثاني: أنه لابد من جلبهم إلى العصر، ولا يمكنون من أن يقسموا في أماكنهم، وإن بعدوا، وهذا القول قائم من المدونة من قوله: ولا يقام القتل بمصر كلها إلا في الفسطاط، إلا أن يكتب صاحب الفسطاط إلى من يقيمه.
وأما التغليظ بالزمان: فكون أيمان القسامة واللعان في دبر الصلوات، وقال في "كتاب اللعان": وما كان في دبر العصر أشدهما -بالشين والسين، على اختلاف الروايات- وقال الله تعالى:{تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} الآية (١).
وأما ما يغلظ بالمكان دون الزمان كالأيمان الواجبة في الحقوق مما له بال؛ مثل ربع دينار فصاعدًا: فلا خلاف -أعلمه- في المذهب أنه لا يجوز أن يجلبوا فيها إلى العصر من عشرة أميال؛ لأن ذلك ضرر عليهم، وإنما يحلف في الجامع حيث يعظم، غير أن الحالفين على ضربين؛ رجال، والنساء الحرائر، فأمَّا الرجال: فإنهم يحلفون بالجامع وهو المسجد الأعظم الذي تقام فيه الجمعة، حيث يعظم منه، وإن كان في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -: فعند المنبر، وإن كان في غيره: فحيث يعظم منه؛ عند المحراب وعند