المنبر، وقال مالك في "المدونة": لا أعرف المنبر إلا منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فأما مساجد الآفاق فلا أعرف المنبر فيها، وقال القاضي أبو الوليد الباجي: يحتمل من جهة اللفظ أن يريد بقوله: "لا أعرف المنبر" في مساجد الآفاق.
وقد أجمع المسلمون من عهد الصحابة رضي الله عنهم على اتخاذها في كل بلد، وهو من أعلم الناس بذلك فمحال أن يريد هذا.
قال: والصحيح أنه أراد بذلك أن لا يعرف أن حكم سائر منابر البلاد حكمها في هذه حكم منبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هذا حكم يختص بمنبر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد روى ابن وهب عن مالك مفسرًا: أنه لا يحلف عند منبر من المنابر إلا عند منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويغيرها في مسجده الأعظم حيث يعظمون منه عند منبرهم، أو تلقاء قبلتهم، فقال القاضي أبو الوليد: ووجه ذلك عندي -والله أعلم- أن منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في وسط المسجد، وهو موضعه الذي كان فيه زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وسط المسجد، وهو موضعه الذي أحدث حين زيد في المسجد، فصار المنبر في وسط المسجد، فكانت اليمين عند المنبر أولًا؛ لأنه موضع مصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعند منبره.
وأما القبلة والمحراب فشيء بني بعده، وأما منابر سائر المساجد فهي عن المحراب، فمن حلف فإنما يحلف عند المحراب، ولكن بقرب المنبر، وأعظم شيء في المساجد المحاريب , ولو اتفق أن يكون المنبر في بعض البلاد في وسط المسجد لكانت اليمين عند المحراب دون المنبر، فهذا معنى قول مالك في "الكتاب"، وربك أعلم.
واختلف هل يغلظ فيها بالزمان أم لا؟ على قولين:
أحدهما: أنه لا يغلظ فيها بالزمان كما يغلظ في الدماء واللعان، وهو قول ابن القاسم وأصبغ، وهو مشهور المذهب.