للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المعسر الذي ليس بمعدم، وهو يفرحه تعجيل القضاء ويطريه: فتأخيره إلى أن يوسر ويمكنه القضاء من غير مضرة تلحقه مرغب فيه ومندوب إليه، وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أنظر معسرًا أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" (١).

وأما المعسر المعدم: فتأخيره إلى أن يوسر وأجب، والحكم بذلك لازم، فهو في نظرة الله تعالى إلى أن يوسر، ولا يحبس، ولا يؤاجر، ولا يستخدم، ولا يستعمل؛ لأن الدين إنما تعلق بذمته، فلا يصح أن يؤاجر فيه، خلافًا لأحمد بن حنبل الذي يقول: إن المعسر يؤاجر في الدين.

والدليل على ما عليه الجمهور: قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (٢): معناه إن حضر ذو عسرة، أو وقع ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، فالآية عامة في كل من أعسر بدين كائنًا ذلك الدين ما كان، ربًا كان أو غيره، فإذا ثبت ذلك، فالغريم مجهول على الملأ حتى يتبين عدمه كان قد أخذ في الدين الذي يطلب به عوضًا أم لا؛ لأنه إن كان أخذ به عوضًا فهو مال قد حصل إليه فلا تقبل منه دعوى العدم حتى يبينه، وإن كان لم يأخذ به عوضًا: فالمعلوم من حال الناس الحرص على الطلب، الجد في الكسب، فهو محمول على ما يعلم من حال الناس، وما جبلهم الله عليه، هذا قول الشيخ أبي إسحاق التونسي وغيره من المحققين.

فإذا لم يتبين عدمه ولم يظهر فقره: فعلى الحاكم بذل وسعه في استبراء حاله، فإن أدَّى اجتهاده إلى حبسه: فليحبسه فإن ذلك جائز له باتفاق الأمصار، والدليل على إجازة حبسه قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ


(١) أخرجه مسلم (٣٠٠٦).
(٢) سورة البقرة الآية (٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>