للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا الأولونَ؛ فإنهم يحتجونَ بما في الصحيحينِ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «لا تُشَدُّ الرحالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجدَ: المسجدِ الحرامِ، والأقصى، ومسجدي هذا»، فلو نذَر الرجلُ أنْ يصلِّيَ في مسجدٍ أو مشهدٍ، أو يعتكفَ فيه، أو يسافرَ إلى غيرِ هذه الثلاثةِ؛ لم يجبْ عليه ذلك باتفاقِ الأئمةِ، ولو نَذَر أن يأتيَ المسجدَ الحرامَ لحجٍّ أو عمرةٍ؛ لزِمَه بالاتفاقِ، ولو نذَرَ الصلاةَ في مسجدِه، أو في الأقصى؛ لزِمَه عندَ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، ولا يلزَمُه عندَ أبي حنيفةَ.

قالوا: ولأنَّ السفرَ إلى زيارةِ قبورِ الأنبياءِ والصالحينَ؛ بدعةٌ لم يفعَلْها أحدٌ من الصحابةِ والتابعينَ، ولا استَحبَّ ذلك أحدٌ مِن أئمةِ المسلمينَ، فمن اعتَقدَ ذلك عبادةً وفعَلَها؛ فهو مخالفٌ للسنةِ، ولإجماعِ المسلمينَ.

وذكَره أبو عبدِ اللهِ بنُ بطَّةَ في إبانتِه الصُّغرى: أنَّه من البدعِ المخالفةِ للسنةِ والإجماعِ.

وزيارةُ قُباءَ ليس فيه شدُّ رَحْلٍ.

وحملُ حديثِ: «لا تُشَدُّ الرحالُ … » على نفيِ الاستحبابِ؛ فيه تسليمٌ أنَّ السفرَ ليس بعملٍ صالحٍ، ولا قربةٍ ولا طاعةٍ، ولا هو من الحسناتِ، فمن اعتَقدَ كونَه قربةً فقد خالَفَ الإجماعَ، ولا يسافرُ أحدٌ إليها إلَّا لذلك.

وأمَّا لو قُدِّرَ أنَّ الرجلَ سافرَ إليها لغرضٍ مباحٍ؛ فهذا جائزٌ، ليس هذا مِن هذا البابِ، والنفيُ يقتضي النهيَ، والنهيُ للتحريمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>