للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما ذُكِر من الأحاديثِ في زيارةِ قبرِ (١) الأنبياءِ؛ فضعيفةٌ بالاتفاقِ، بل مالكٌ إمامُ المدينةِ كرِهَ أن يقولَ الرجلُ: زرْتُ قبرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد صحَّ عنه: «لا تتخذوا قبري عِيدًا، وصلُّوا عليَّ حيثُما كنتُم» (٢)، «لعَنَ اللهُ اليهودَ والنصارى، اتَّخذوا قبورَ أنبيائِهم وصالِحيهم مساجدَ»، يُحذِّرُ ما فعلوا، قالت عائشةُ: «ولولا ذلك لأُبرِزَ قبرُه، ولكن كرِهَ أن يُتخَذَ مسجدًا» (٣).

ولما كانتْ حجرتُه منفصلةً عن المسجدِ إلى زمنِ الوليدِ؛ لم يكُنْ أحدٌ من الصحابةِ يدخُلُ إليها، لا لصلاةٍ ولا دعاءٍ، إنما يفعلونَ ذلك في المسجدِ، وهذا كلُّه محافظةٌ على التوحيدِ، فإن من أصولِ الشِّرْكِ باللهِ؛ اتخاذَ القبورِ مساجدَ؛ كما ذُكِرَ في تفسيرِ قولِه: {لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا}، أنهم كانوا قومًا صالحينَ في قومِ نوحٍ، فلما ماتوا عكَفوا على قبورِهم، ثم صوَّروا صُوَرَهم تماثيلَ، ثم طال عليهم الأمَدُ فعبَدوها؛ ذكَرَه البخاريُّ في «صحيحِه» وغيرُه (٤)، وقد ثبَتَ عنه في الصحيحِ: «ألَا فلَا تتَّخِذوا القبورَ مساجدَ، إنِّي أنْهاكُم عَن ذَلك» (٥)، واللهُ أعلمُ.


(١) في (ع) و (ك): قبور.
(٢) رواه أحمد (٨٨٠٤) وأبو داود (٢٠٤١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال شيخ الإسلام في الإخنائية (ص ١٠٥): (حديث حسن ورواته ثقات مشاهير، لكن عبد الله بن نافع الصائغ؛ فيه لين لا يمنع الاحتجاج به).
(٣) البخاري (٤٣٥)، ومسلم (٥٢٩).
(٤) رواه البخاري (٤٩٢٠)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه أيضًا الفاكهي في أخبار مكة (٥/ ١٤١)، والبغوي في تفسيره (٥/ ١٥٧).
(٥) مسلم (٥٣٢) من حديث جندب رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>