للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُضطَرُّ العبدُ إليه - حتى أكلُ المَيْتةِ - داخلٌ في هذا، فأَكْلُها عندَ الضرورةِ واجبٌ في المشهورِ من مذهبِ الأئمةِ الأربعةِ، وكذلك ما يضُرُّها من جنسِ العباداتِ؛ مثلِ: الصومِ الذي يزيدُ في مرَضِها، أو الاغتسالِ بالماءِ الباردِ الذي يقتُلُها؛ هو من ظلمِها، فإن اللهَ أمَر العبادَ بما ينفَعُهم، ونهاهم عما يضُرُّهم، وجاء القرآنُ بالأمرِ بالصلاحِ، والنهيِ عن الفسادِ، والصلاحُ كلُّه طاعةٌ، والفسادُ كلُّه معصيةٌ، وقد لا يعلمُ بعضُ الناسِ ذلك على حقيقتِه، فالمؤمنُ يعلمُ أن اللهَ يأمُرُ بكلِّ مصلحةٍ، وينهى عن كل مفسدةٍ.

ومما يجبُ أن يعرفَ: أن العبدَ قد يجبُ عليه أسبابُ أمورٍ لا يجبُ عليه بدونِها، فإن قام بها كان مُحسِنًا إلى نفْسِه؛ وإلا كان ظالمًا لنفْسِه، وإن لم يكُنْ تركُها ظلمًا في حقِّ مَن لم يقبلْ تلك الأسبابَ مِمَّن ولِيَ ولايةً، ففي «المسنَدِ»: «أحبُّ الخلقِ إلى اللهِ إمامٌ عادلٌ، وأبغَضُهم إمامٌ جائرٌ» (١)، وكذلك من لغيرِه عليه حقوقٌ؛ كالزوجةِ، والأولادِ، والجيرانِ، فقد ذكر اللهُ الحقوقَ العشرةَ في قولِه: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين} إلى: {وما ملكت أيمانكم}، فكلما ازدادت معرفةُ الإنسانِ بالنفوسِ ولوازِمِها، وتقلُّبِ القلوبِ، وبما عليها من الحقوقِ للهِ ولعبادِه، وبما حُدَّ لهم من الحدودِ: علِمَ أنه لا يخلو أحدٌ عن تركِ بعضِ الحقوقِ، أو تعدي بعضِ الحدودِ، ولهذا أمر عبادَه المؤمنينَ أن يسألوه


(١) رواه أحمد (١١١٧٤)، والترمذي (١٣٢٩)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>