للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المسألةُ الثانيةُ: للناسِ في أفعالِ اللهِ باعتبارِ ما يصلحُ منه ويجوزُ وما لا يجوزُ: ثلاثةُ أقوالٍ؛ طرفانِ ووسطٌ.

الطرفُ الأولُ: القَدَريةُ؛ حجَروا عليه أن يفعلَ إلا ما ظنُّوا بعقولِهم أنه الجائزُ له؛ حتى وضعوا له شريعةَ التعديلِ والتجويزِ، لا بمعنى أن العقلَ آمرٌ له وناهٍ، فإن هذا لا يقولُه عاقلٌ؛ بل بمعنى أن تلك الأفعالَ مما عُلِم بالعقلِ وجوبُها وتحريُمها، ولكن أدْخَلوا في ذلك ما بنَوْه على بدعتِهم من التكذيبِ بالقدرِ وتوابعِ ذلك.

الطرفُ الثاني: طرفُ الغُلاةِ في الردِّ عليهم؛ وهم الذين قالوا: لا يُنَزَّهُ الربُّ عن فعلٍ من الأفعالِ، ولا يُعْلَمُ وجهُ امتناعِ الفعلِ منه إلا من جهةِ خبرِه أنه لا يفعلُه المطابق لعلمِه بأنه لا يفعلُه؛ وهؤلاء منعوا حقيقةَ ما أخبرَ به أنه كتب على نفسِه الرحمةَ، وحرَّم على نفسِه الظُّلمَ.

والثالثُ: القولُ الوسطُ؛ أنه سبحانَه على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وله الخلقُ والأمرُ، وأنه معَ ذلك حرَّم على نفْسِه أشياءَ، وأخبَرَ أنه لا يفعَلُها، وهي مقدورةٌ له، ويتركُه مع قدرتِه عليه؛ لأنه عادلٌ ليس بظالمٍ، كما ينزِّهُ عن عقوبةِ الأنبياءِ، وكما ينزِّهُ أن يُحَمِّلَ البريءَ ذنوبَ المُعْتدينَ.

وقولُه: «فلا تَظَالَموا» فيه كلُّ الدِّينِ؛ فالجملةُ الأولى قولُه: «حرمتُ الظُّلمَ على نفسي» يجمعُ جلَّ مسائلِ الصفاتِ إذا أُعْطِيَتْ حقَّها من التفسيرِ، وهذه تتضمنُ الدِّينَ كلَّه؛ فإن كلَّ ما نهى اللهُ عنه راجعٌ إلى الظلمِ، وكلَّ ما أمر به راجعٌ إلى العدلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>