في الحديث، ذكر الاستهداءَ والاستطعامَ والاستكساءَ، وذكر الغفرانَ والبِرَّ والفجورَ؛ فقال:«لو أن أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا في صعيدٍ واحدٍ، فسألوني، فأعطيتُ كلَّ واحدٍ مسألتَه؛ ما نَقَصَ ذلك مما عندي إلا كما ينقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدْخِل البحرَ».
فذكر أن جميعَ الخلائقِ إذا سألوه وهم في مكانٍ واحدٍ وزمانٍ واحدٍ، فأعطى كلَّ إنسانٍ منهم مسألتَه؛ لم ينقُصْه ذلك مما عندَه إلا كما ينقُصُ المِخْيَطُ - وهي الإبرةُ - إذا غُمِس في البحرِ.
وقوله:«لم ينقُصْ مما عنده» فيه قولان:
أحدُهما: يدلُّ على أن عنده أمورًا موجودةً، وعلى هذا فيقالُ: لفظُ النقصِ على حالِه؛ لأن العطاءَ من الكثيرِ وإن كان قليلًا فلا بدَّ أن ينقُصَه شيئًا ما، ومن رواه:«لم ينقُصْ من ملكي» يُحْمَلُ على ما عندَه.
وقد يقالُ: المُعْطَى إن كان أعيانًا قائمةً؛ فقد تُنْقَلُ من محَلٍّ إلى محَلٍّ فيظهرُ النقصُ، وإن كانت صفاتٍ؛ فلا تُنقَلُ من مَحَلِّها، وإن وجد نظيرُها في محلٍّ آخرَ، كما يوجد نظيرُ علمِ المُعَلِّمِ في قلبِ المتعلمِ من غيرِ زوالِ علمِ المُعَلِّمِ، وكما يتكلمُ المتكلمُ بكلامِ المتكلمِ قبلَه من غيرِ انتقالِ كلامِ المتكلمِ الأولِ إلى الثاني.
وعلى هذا: فالصفاتُ لا تنقصُ مما عندَه شيئًا، وهي من المسؤولِ كالهُدى.
وقد يجابُ عن هذا: أنه من الممكنِ في بعض الصفاتِ إن ثبتَ