للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جنَّتِك؛ فهو يظنُّ أن الجنةَ اسمٌ لما يُتمتَّعُ به من المخلوقاتِ، وأن النارَ اسمٌ لِما لا عذابَ فيه سوى ألمِ المخلوقاتِ؛ وهذا قُصورٌ منهم عن فهمِ مُسَمَّى الجنة، بل كلُّ ما أعدَّ اللهُ لأوليائِه فهو في الجنةِ، والنظرُ إليه هو في الجنةِ، ولهذا كان أفضلُ الخلقِ يسألُ الجنةَ ويستعيذُ به من النارِ.

وقد أنكَر على مَن يقولُ: «أسألُك لذَّةَ النظرِ إلى وجهِك» فريقٌ من أهلِ الكلامِ، فظنُّوا أنه لا يتلذَّذُ بالنظرِ إلى وجهِه، ولا نعيمَ إلا بمخلوقٍ، فغَلِطوا في معنى الجنةِ كما غلِط أولئك، لكن طلَبوا ما يستحِقُّ أن يُطْلَبَ، وهؤلاءِ أنكروا ذلك.

ومن قال: لو أدخلني النارَ كنت راضيًا؛ فهو عزمٌ منه، والعزائمُ قد تنفسخُ عند وجودِ الحقائقِ، ومثلُ هذا يقعُ في كلامِ طائفةٍ مثلِ قولِ سَمْنونٍ (١):

فَلَيْسَ لِي فِي سِوَاكَ حَظٌّ … فَكَيْفَمَا شِئْتَ فَامْتَحِنِّي

فابتُليَ بعُسرِ البولِ، فجعل يطوفُ على صِبيانِ المكاتبِ، ويقولُ: ادعوا لعمِّكم الكذَّابِ.

وبعضُ مَن تكلَّم في عِللِ المقاماتِ؛ جعل الحبَّ والرِّضا والخوفَ والرجاءَ من مقاماتِ العامةِ؛ بناءً على مشاهدَةِ القدرِ، وأنَّ مَن نظر إلى توحيدِ الأفعالِ حتى فَنِيَ من لم يكُنْ، وبقِيَ من لم يزُلْ؛ يخرُجُ عن هذه الأمورِ.


(١) سمنون بن حمزة، أبو الحسن الخواص، سكن بغداد ومات بها قبل الجنيد، وسمى نفسه: سمنون الكذاب. ينظر: حلية الأولياء ١٠/ ٣٠٩، الأعلام للزركلي ٣/ ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>