للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فناسب حالَه صيغةُ الوصفِ والخبرِ دونَ صيغةِ الطلبِ؛ كأنه قال: ما أصابني من الشرِّ بسببِ ذنبي، والمقصودُ دفعُ الضررِ، والاستغفارُ جاء بالقصدِ الثاني، فلم يذكُرْ صيغةَ الطلبِ؛ لاستشعارِه أنه مسيءٌ ظالمٌ، هو الذي أدخل الضررَ على نفسِه، فذكر ما يرفعُه من الاعترافِ بظلمِه.

وقولُه: «سبحانكَ» يتضمنُ تعظيمَ الربِّ، وتنزيهَه عن الظُّلمِ والعقوبةِ بغيرِ حقٍّ من ذنبٍ، يقولُ: أنت مقدَّسٌ منزَّهٌ عن ظلمي وعقوبتي بغيرِ ذنبٍ، بل أنا الظالمُ الذي ظلمتُ نفسي.

«لا إلهَ إلا أنت»، فهو إلهٌ يستحقُّ أن يُؤْلَهُ لما يُريه (١) من الرحمةِ، وما اتصف به من كمالِ القدرةِ والحكمةِ، وغيرِ ذلك من الصفاتِ التي تستلزمُ أن يكونَ هو المحبوبَ غايةَ الحبِّ، المخضوعَ له غايةَ الخضوعِ.

والعبادةُ تتضمنُ غايةَ الحبِ بغايةِ الذلِّ، ولهذا قال: «لا ينبغي لعبدٍ أن يقولَ: إنه خيرٌ مِن يونسَ بن متَّى» (٢)، فليس لأحدٍ من العِبادِ أن يبرِّئَ نفسَه عن هذا الوصفِ، لا سيَّما في مقامِ مناجاتِه لربِّه، فمن ظنَّ أنه خيرٌ من يونسَ بنِ متَّى، فهو كاذبٌ؛ إذ زَعَمَ أنه ليس عليه أن يعترفَ بظلمِ نفسِه، فمن ادَّعى ذلك فقد كذَبَ، ولهذا كان ساداتُ الخلائقِ يعترفون بذلك، كإبراهيمَ ومحمدٍ صلى الله عليه وسلم.


(١) في (ك) و (ع): يرديه.
(٢) رواه البخاري (٣٣٩٥)، ومسلم (٢٣٧٧)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>