للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه: «إني كنتُ من الظالمينَ» اعترافٌ بالذنبِ؛ وهو متضمِّنٌ طلبَ المغفرةِ؛ فإن الطلبَ تارةً يكونُ بصيغةِ الطلبِ، وتارةً يُسألُ بصيغةِ الخبرِ، إما بوصفِ حالِه، وإما بوصفِ حالِ المسؤولِ، وإما بوصفِ الحالين، وقد صحَّ عنه أنه قال: «أفضلُ ما قلتُ أنا والنبيُّون مِن قبلي يومَ عرفةَ: لا إلهَ إلا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ» (١)، وسُئل سفيانُ عن أفضلِ الدعاءِ، فذكر هذا الحديثَ، وأنشد قولَ أميَّةَ يمدحُ ابنَ جُدْعانَ:

أأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي … حِبَاؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الحِبَاءُ (٢)

إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ المَرْءُ يَوْمًا … كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ

قال: فهذا مخلوقٌ يخاطبُ مخلوقًا فكيف بالخالقِ تعالى؟! (٣)

وأكملُ أنواعِ الطلبِ ما تضمَّن وصفَ حالِ الداعي والمدعوِّ، والسؤالُ بالمطابقةِ، كحديثِ أبي بكرٍ: «اللهُمَّ إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت، فاغفرْ لي مغفرةً من عندِك وارحمْني إنك أنت الغفورُ الرحيمُ»، لكِنَّ صاحبَ الحوتِ مقامُه مقامُ اعترافٍ،


(١) رواه الترمذي (٣٥٨٥)، من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما.
(٢) قوله: (حباؤك) و (الحباء) كذا في الأصل بالباء، وهو الموافق لما في مجموع الفتاوى، وفي (ك) و (ع): (حياؤك)، (الحياء)، وهو الموافق لما في عيون الأخبار ٣/ ١٦٨.
(٣) أخرجه أبو بكر الدينوري في المجالسة (٤٩)، وأبو عبد الرحمن السلمي في الفتوة (٤٩)، والبيهقي في شعب الإيمان (٥٧٠)، عن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>