للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينفعْه اللهُ بعلمِه؛ كما قال: «اللهُمَّ إني أعوذُ بكَ من علمٍ لا ينفعُ» (١).

ولكنَّ الجهميَّةَ ظنُّوا أن مجردَ علمِ القلبِ وتصديقِه هو الإيمانُ، وأن من دلَّ الشرعُ على أنه ليس بمؤمنٍ؛ فإن ذلك يدلُّ على عدمِ علمِ قلبِه؛ وهذا من أعظمِ الجهلِ شرعًا وعقلًا، وحقيقتُه توجبُ التسويةَ بينَ المؤمنِ والكافرِ، ولهذا أطلق وكيعٌ وأحمدُ وغيرُهم القولَ بكفرِهم بذلك؛ فإنَّ من المعلومِ أن الإنسانَ يعلمُ بقلبِه الحقَّ، وقد يُبْغِضُه لغرضٍ آخرَ، فليس كلُّ مستكبرٍ عن الحقِّ يكونُ غيرَ عالمٍ به، فحينئذ لا بدَّ من تصديقِ القلبِ وعملِه، وهذا معنى قولِ السلفِ: الإيمانُ قولٌ وعملٌ.

ثم إذا تحقَّق القلبُ بالتصديقِ والمحبةِ التامَّةِ المتضمنةِ للإرادةِ؛ لزِم وجودُ الأفعالِ الظاهرةِ؛ فإن الإرادةَ الجازمةَ إذا اقترن بها القدرةُ التامَّةُ لَزِمَ وجودُ المرادِ قطعًا؛ وأبو طالبٍ وإن كان عالمًا بأن محمدًا رسولُ اللهِ، وهو محبٌّ له؛ فلم تكُنْ محبتُه له لمحبةِ اللهِ، بل لأنه ابنُ أخيه؛ فيحبُّه للقرابةِ، وإذا أحبَّ ظهورَه فلِمَا يحصُلُ له به من الشرفِ والرياسةِ؛ فأصلُ محبوبِه هو الرِّياسةُ، ولهذا لما عَرَض عليه الشهادةَ عندَ الموتِ، أحبَّ دينَه أكثرَ مِن ابنِ أخيه، فلم يُقِرَّ بهما لئلَّا يزولَ دينُه، فلو كان حبُّه كحُبِّ أبي بكرٍ وغيرِه من المؤمنين؛ لنطق بالشهادتين قطعًا، فكان حبُّه حبًّا مع اللهِ؛ لا حُبًّا للهِ، فلم يُقبَل ما فعله مع الرسولِ مِن نُصرتِه ومؤازرتِه؛ لأنه لم يعمَلْه للهِ؛ بخلافِ من فعلَ ما فعلَ ابتغاءَ وجهِ ربِّه الأعلى.


(١) رواه مسلم (٢٧٢٢)، من حديث زيد بن الأرقم رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>