للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفرقٌ بينَ «آمن له» و «آمن به»؛ فالأولُ يقالُ للمُخبَرِ، والثاني للمخبَرِ به؛ كما قال إخوةُ يوسفَ، وكما قال: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين}، ففرَّقَ بينَ إيمانِه باللهِ وإيمانِه للمؤمنين؛ لأن المرادَ تصديقُ المؤمنين إذا أخبروه، وأما إيمانُه باللهِ فهو من بابِ الإقرارِ به، ومنه قولُه: {أنؤمن لبشرين مثلنا}؛ أي: نُقِرُّ لهما ونصدِّقُهما، ومنه: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم}، {فآمن له لوط}، ومن المعنى الآخرِ: {يؤمنون بالغيب}، {آمن الرسول بما أنزل إليه}، {ولكن البر من آمن بالله}؛ أي: أقرَّ بذلك.

والمقصودُ: أن لفظَ «الإيمانِ» إنما يُستعمَلُ في بعضِ الأخبارِ، وهو مأخوذٌ من الأمنِ؛ كالإقرارِ مأخوذٌ مِن «قَرَّ»، فالمؤمنُ صاحبُ أمْنٍ، كما أنَّ المُقِرَّ صاحبُ قرارٍ، فلا بدَّ في ذلك من عملِ القلبِ بموجَبِ تصديقِه، فإذا علِم أن محمدًا رسولُ اللهِ، ولم يقترِنْ به حبُّه (١) ولا تعظيمُه، بل كان يحسدُه؛ فإنه ليس بمؤمنٍ به بل كافرٌ به.

ومن هذا البابِ كفرُ إبليسَ وفرعونَ وأهلِ الكتابِ؛ الذين يعرِفونه كما يعرِفون أبناءَهم.

فمجرَّدُ علمِ القلبِ لا يكفي، بل لا بدَّ من عملِ القلبِ بموجَبِ عِلْمِه؛ مثلُ محبةِ القلبِ له، واتباعِه له، بل أشدُّ الناسِ عذابًا عالمٌ لم


(١) في الأصل: (حقه)، والمثبت من (ك)، (ع) ومجموع الفتاوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>