للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما السؤالُ فكثيرًا ما يجيءُ باسمِ الربِّ، نحوُ {ربنا ظلمنا أنفسنا}، {رب أعوذ بك}، {ربي إني ظلمت نفسي}، {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع} الآيةَ.

وقد نُقِل عن مالكٍ أنه قال: أكرهُ أن يقولَ في دعائِه: يا سيِّدي، يا حنَّانُ، يا منَّانُ، ولكن بما دعت به الأنبياءُ: ربَّنا، ربَّنا؛ نقله عنه العُتْبيُّ في «العتبية» (١).

فإذا سبق إلى القلبِ قصدُ السؤالِ؛ ناسَبَ أن يَسألَ باسمِ «الربِّ»، ولو سأل باسمِ «اللهِ»؛ لتضمُّنِه اسمَ «الربِّ»؛ كان حسنًا، وأما إذا سبق إلى القلبِ قصدُ العبادةِ، فاسمُ «اللهِ» أولى بذلك.

فلما كان حالُ يونسَ المغاضبةَ ومنازعةَ القدرِ، ونوعَ معارضةٍ في خلقِه وأمْرِه، ووساوسَ في حكمتِه ورحمته، فيحتاجُ العبدُ أن يقعَ عنه ذلك، ويعلمَ أن الحكمةَ والعدلَ فيما اقتضاه علمُه وحكمتُه، فرُوِيَ أنه نادى بارتفاعِ العذابِ عن قومِه بعد أن أظَلَّهم، وخاف أن يُنْسَبَ إلى الكذبِ، فنادى من القَدْرِ (٢)، وحصل من منازعتِه الإرادةَ ما يُزاحِمُ الإلهيةَ، فناسَبَ أن يجرِّدَ الإلهيةَ ويُخْلِصَها للهِ وحدَه.

وقولُه: {لا إله إلا أنت} يتضمَّن براءةَ ما سوى اللهِ من الإلهيةِ؛


(١) ينظر: البيان والتحصيل على مسائل المستخرجة (العتبية) لابن رشد ١/ ٤٥٦.
(٢) هكذا في النسخ الخطية، ولعل القدر هنا بمعنى الضيق، أي: نادى من الضيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>