فلو قال قائلٌ: إذا علِمَ اللهُ أنه يُولَدُ لي ولدٌ، فلا حاجةَ لي في الزوجةِ؛ كان أحمقَ؛ فإن اللهَ يعلمُ ما سيكونُ بما يقدِّرُه من الوَطْءِ وغيرِه من أنَّ هذا يشبَعُ بالأكلِ، ويموتُ بالقتلِ، فلا بدَّ من الأسبابِ التي قد علِمَها اللهُ سبحانَه من الدعاءِ والسؤالِ وغيرِه، فلا ينالُ العبدُ شيئًا إلا بما قدَّرَه اللهُ من جميعِ الأسبابِ، واللهُ خالقُ ذلك الشيءِ، وخالقُ الأسبابِ.
ولهذا قيلَ: الالتفاتُ إلى الأسبابِ؛ شِركٌ في التوحيدِ، ومَحْوُ الأسبابِ أن تكونَ أسبابًا؛ نَقْصٌ في العقلِ، والإعراضُ عن الأسبابِ بالكليةِ؛ قَدْحٌ في الشرعِ.
ومجردُ الأسبابِ لا تُوجِبُ حصولَ المُسبَّبِ؛ بل لا بدَّ من تمامِ الشروطِ وزوالِ الموانعِ، وكلُّ ذلك بقضاءِ اللهِ وقدَرِه.
وكذلك أمرُ الآخِرةِ ليس بمجردِ العمَلِ ينالُ الإنسانُ السعادةَ؛ بل العملُ سببٌ؛ كما قال:«لن يدخُلَ أحدٌ منكم الجنةَ بعمَلِه … » الحديثَ (١)، وقال تعالى:{ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}، فهذه باءُ السببِ؛ أي: بسببِ أعمالِكم، والذي نفاه النبيُّ باءُ المقابلةِ؛ كما يقالُ: اشتريتُ هذا بهذا؛ أي: ليس العملُ عوضًا وثمنًا كافيًا في دخولِ الجنةِ، بل لا بدَّ من عَفْوِ الله ورحمتِه، وفَضْلِه، ومغفرتِه،
(١) رواه البخاري (٦٤٦٣)، ومسلم (٢٨١٦)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.