للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فبمغفرتِه يمحو السيئاتِ، وبرحمتِه تأتي الخيراتُ، وبفضلِه تضاعفُ البركاتُ.

وهنا ضلَّ فريقانِ؛ فريقٌ أخذوا بالقدَرِ، وأعرضوا عن الأسبابِ الشرعيةِ والأعمالِ الصالحةِ، ظنُّوا أن ذلك كافٍ، وهؤلاءِ يؤولُ أمرُهم إلى الكفرِ باللهِ وكتُبِه، ورسُلِه.

وفريقٌ أخذوا يطلبونَ الجزاءَ من اللهِ، كما يطلُبُه الأجيرُ من المستأجِرِ؛ مُتَّكِلِينَ على حَوْلِهم وقوتِهم وعمَلِهم، وهؤلاء جُهَّالٌ ضُلَّالٌ، فإن اللهَ لم يأمرِ العبادَ بما أمَرَهم به حاجةً منه إليهم، وإنما أمَرَهم بما فيه صلاحُهم، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلًا؛ بل نهاهم عما فيه فسادُهم، وكما قال: «يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضَرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نَفْعي فتنفعوني» (١)، وهو معَ غناه عن العالمينَ أرسَلَ إليهم الرُّسُلَ بفضلِه، وهدايتهم بفضله، وجميعُ ما ينالونَ به الخيراتِ فضلٌ منه سبحانه، وإن كان أوجَبَ على نفْسِه الرحمةَ وحرَّم الظلمَ عليها، فهو واقعٌ لا محالةَ، واجبٌ بحكمِ إيجابِه ووعدِه، لا أنَّ الخَلْقَ يُوجبونَ على اللهِ شيئًا أو يُحرِّمونَ؛ بل هم أعجَزُ من ذلك وأقلُّ، كلُّ نعمةٍ منه فضلٌ، وكلُّ نِقْمةٍ منه عدلٌ، كما في قولِه: «فمَن وجَدَ خيرًا فلْيَحْمَدِ اللهَ، ومَن وجَدَ غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفْسَه» (٢).


(١) رواه مسلم (٢٥٧٧)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
(٢) تتمة حديث أبي ذر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>