للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيُقالُ: إن مَن في قلبِه مثقالُ ذرةٍ من إيمانٍ يُمنَعُ من هذا الدخولِ المعروفِ، لا أنه لا يصيبُه شيءٌ من عذابِ النارِ؛ لأنه قال: «يقولُ اللهُ تعالى: أخْرِجوا مِن النارِ مَن في قلبِه مِثْقالُ ذَرَّةٍ من إيمانٍ» (١)، وقال: «أمَّا أهلُ النارِ الذينَ هم أهلُها: فإنهم لا يموتونَ فيها، ولا يَحْيَوْنَ، ولكنْ ناسٌ أصابَتْهم النار بذنوبِهم، فأماتَتْهم إماتةً؛ حتى إذا كانوا حُمَمًا أُذِنَ في الشفاعةِ، فيجاء بهم ضَبائرَ ضَبائرَ (٢)، فينبُتُونَ على نهرِ الجنةِ» (٣).

وكذا قولُه: «لا يدخُلُ الجنةَ مَن في قلبِه مثقالُ ذرةٍ مِن كِبْرٍ» (٤)؛ نفى الدخولَ المُطلَقَ المعروفَ، وهو دخولُ المؤمنينَ الذينَ أُعِدَّتْ لهم الجنةُ؛ كقولِه: {وسيق الذينَ اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا} الآيةَ، وقولِه: {يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين}، وأمثالِ ذلك مما يُطلَقُ الدخولُ، والمرادُ: الدخولُ ابتداءً من غيرِ عذابٍ في النارِ؛ بحيثُ لا يُفهَمُ من ذلك أنهم يُعذَّبونَ، فهذا الدخولُ لا ينالُه مَن في قلبِه مثقالُ ذرةٍ مِن كِبْرٍ.

وأيضًا: فهذه الأحاديثُ مُبيَّنٌ فيها سببُ دخولِ الجنةَ من العملِ الصالحِ، وسببُ دخولِ النارِ كالكِبْرِ، فإن وُجِد في العبدِ أحدُ السببَينِ


(١) رواه البخاري (٢٢)، ومسلم (١٨٣)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٢) هم الجماعات في تفرقة، واحدتها ضِبارة، بفتح الضاد وكسرها. ينظر: مشارق الأنوار ٢/ ٥٥، النهاية في غريب الحديث ٣/ ٧١.
(٣) رواه مسلم (١٨٥)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٤) رواه مسلم (٩١)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>