للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفصلُ الخطابِ: أن الاستطاعةَ في الكتابِ والسُّنَّةِ نوعانِ:

أحدُهما: المصحِّحةُ للفعلِ، وهي متناولةٌ الأمرَ والنَّهْيَ؛ لقولِه: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}، وقولِه تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}، فهذه الاستطاعةُ مُتقدِّمةٌ على الفعلِ؛ لأنها لو كانت لا توجدُ إلا معَ الفعلِ؛ لوجبَ ألا يجبَ الحجُّ إلا على مَن حجَّ.

وأما الاستطاعةُ التي يكونُ معَها الفعلُ؛ قد يقالُ: هي المقترنةُ بالفعلِ، المُوجِبةُ له، وهذه - النوعُ الثاني -؛ نحوُ قولِه: {ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون}؛ فإن الاستطاعةَ المنفية هنا ليست هي الاستطاعة المشروطةَ في الأمرِ والنَّهْيِ، التي هي مَناطُ التكليفِ في قولِه: {فاتقوا الله ما استطعتم}؛ لكن قد يقالُ: إن الاستطاعةَ هنا كالاستطاعةِ المنفيةِ في قولِ الخَضِرِ لموسى: {إنك لن تستطيع معي صبرا}، فإن هذه لو كان المراد بها مجرَّدَ المقارَنَةِ في الفاعلِ والتاركِ؛ لم يكُنْ فرقٌ بينَ المذمومين والمؤمنينَ، ولا بينَ موسى والخَضِر؛ فإن كلَّ أحد فعَلَ أو لم يفعَلْ، لا تكونُ المقارَنَةُ موجودةً قبلَ فِعْلِه.

والقرآنُ يدلُّ على أن هذه الاستطاعةَ إنما نُفِيتْ عن التاركِ، لا عن الفاعلِ، فعُلِم أنها تقومُ بالعبدِ من الواقعِ التي تَصُدُّ قلبَه (١) عن إرادةِ


(١) في (الأصل): قبله. والمثبت من مجموع الفتاوى، والعبارة في مجموع الفتاوى ٨/ ٢٩٢: (فعلم أنها مضادة لما يقوم بالعبد من الموانع التي تصد قلبه عنه إرادة الفعل وعمله).

<<  <  ج: ص:  >  >>