كلِّ بَغِيٍّ سقَتْ كلبًا: غُفِر لها؛ لأن هذه البغيَّ قد حصَلَ لها من الصدقِ والإخلاصِ والرحمةِ بخَلْقِ اللهِ ما عادلَ إثمَ البِغاء، والمغفرةُ تحصُلُ بما يحصُلُ في القلبِ من الإيمانِ الذي يعلمُ اللهُ به مقدارَه وصفتَه، وهذا يفتحُ بابَ العملِ، فيجتهدُ العبدُ أن يأتيَ بهذه الأعمالِ وأمثالِها من موجِباتِ الرحمةِ وعزائمِ المغفرةِ، ويكونُ معَ ذلك بينَ الخوفِ والرجاءِ، كما قال:{والذينَ يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة}.
ولهذا استثنى ابنُ مسعودٍ وغيرُه في الإيمانِ (١)، وقولُ أحدهم:(أنا مؤمنٌ إن شاءَ اللهُ)، فإن الإيمانَ المُطلَقَ الكاملَ يقتضي أداءَ الواجبِ، وأحدُهم لا يعلَمُ أنه أدى الواجبَ كما أُمِر، فلهذا استَثْنَوا فيه، واستَثْنَوا في الصَّلاةِ وغيرِها؛ لأنه لا يُجزَمُ بأنه أتى بها على وجهِها، فيأتي بما أتى من الخيرِ وقلبُه وجِلٌ.
وإن كان للاستثناءِ وجهٌ آخَرُ؛ وهو خوفُ الخاتمةِ، وأن المؤمنَ المُطلَقَ في علِمِ اللهِ: أنه يموتُ على ذلك.
ووجهٌ ثالثٌ: وهو التبَرُّكُ بتعليقِه بمشيئةِ اللهِ.
ومثلُ هذا الحديثِ يُوجِبُ فائدتينِ عظيمتينِ:
إحداهما: أن يعملَ الإنسانُ مثلَ هذا العملِ مجتهدًا في تقوى اللهِ؛ حتى يُثيبَه بمثلِ هذا الجزاءِ.
الثاني: أنه إذا رأى غيرَه من المؤمنينَ له من الذنوبِ ما يمكنُ أن
(١) رواه ابن أبي شيبة (٣٠٣٣٥)، والخلال في السنة (١١٢٩).