للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهما: ظنُّه أن هذا الحديثَ عامٌّ في حقِّ كلِّ تائبٍ، وإنما هو حكايةٌ، فيدلُّ على أن في عباد الله مَن هو كذلك.

الثاني: أن هذا لا يقتضي أن يُغفَرَ له بدونِ أسبابِ المغفرةِ؛ كما قدَّمْناه، ومَن كرَّر هذه التوبةَ المذكورةَ لا يُجزَمُ له أنه قد دخل في معنى هذا الحديثِ، وأنه يعملُ بعدَ ذلك ما شاءَ، ولكن يُرجَى له أنه قد يكونُ من أهلِ هذا الوعدِ، ولا يُجزَمُ لمعيَّنٍ بهذا الحكمِ، كما لا يُجزَمُ في حقِّ معيَّنٍ بسائرِ نصوصِ الوعدِ والوعيدِ، فإن هذا كقولِه: من فعَل كذا دخَل الجنةَ، ومَن فعَل كذا دخَل النارَ؛ لا يُجزَمُ لمعيَّنٍ؛ لكن نرجَو للمُحسِنِ، ونَخافُ على المسيءِ.

ومن هذا البابِ؛ حديثُ البطاقةِ التي جِيء بالرجلِ وأُخرِج له تسعةٌ وتسعون سجلاً، كلُّ سجلٍّ مدَّ البصرِ، وأُخرِج له بطاقةٌ قَدْرُ الكفِّ فيها التوحيدُ، فرجَحتْ على تلك السِّجِلاتِ (١).

وليس كلُّ من تكلَّمَ بالشهادتينِ كان بهذه المنزلة؛ لأن هذا العبدَ قد كان في قلبِه من التوحيدِ واليقينِ والإخلاصِ ما أوجَبَ أن عُظِّمَ قدرُه حتى صارَ راجحًا على هذه السيئاتِ، ومن أجلِ ذلك صارَ المُدُّ من الصحابةِ أفضلَ من جبلِ أُحُدٍ من غيرِهم ذهباً.

ومن ذلك: حديثُ البَغِيِّ التي سقَتْ كلبًا، فغُفِر لها (٢)، فلا يُقالُ في


(١) رواه ابن ماجه (٤٣٠٠)، والحاكم (١٩٣٧)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(٢) رواه البخاري (٣٤٦٧)، ومسلم (٢٢٤٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>