للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية، وقد رُوِي أن النبيَّ جلَدَهم (١).

فقد وقع هذا البدريُّ المغفورُ له بهذا الإفكِ العظيمِ؛ لكنْ تاب منه بلا رَيْبٍ، فتبيَّنَ أن قولَه: «فقد غفرْتُ لكم» لا يمنعُ أن يعملوا بعدَ ذلك ذنوبًا، ويتوبونَ؛ بل لئلا (٢) يتكلوا على الأخبارِ فقط؛ بل لا بدَّ من فعلِ السببِ من التوبةِ، أو الحسناتِ الماحية مع المتقدمةِ، أو غيرِ ذلك من الأسبابِ؛ كالمصائبِ في الدنيا، أو في البَرْزخِ، أو في القيامةِ، أو يرحَمُه.

وهذه الأسبابُ يشتركُ فيها من علِمَ أنه غُفِر له ومَن لم يعلَمْ؛ لكن الذي علم قد علِمَ أن اللهَ يغفرُ له، ويُدخِلُه الجنةَ، وأما الجاهلُ بحالِه؛ فلا يدري حالَه عندَ اللهِ، فعِلْمُه بأن اللهَ يغفرُ الذنبَ ويأخذُ به، وإيمانُه العظيمُ الذي في قلبِه بذلك؛ أفادَه أنه صار عندَ اللهِ ممن يُغفَرُ له لا محالةَ، ولا بدَّ له من الأسبابِ، فإنه لا بدَّ أن يدومَ على الإيمانِ، ودوامُه على الإيمانِ من أعظمِ الحسناتِ الماحيةِ، ولا بدَّ أن يصلِّيَ ويتوبَ ويستغفرَ ونحوُ ذلك من موجِباتِ الرحمةِ وعزائمِ المغفرةِ.

ومن كرَّر التوبةَ مراتٍ، واسترسلَ في الذنوبِ، وتعلَّقَ بهذا الحديثِ (٣)؛ كان مخدوعًا مغرورًا من وجهَينِ:


(١) رواه أحمد (٢٤٠٦٦)، وأبو داود (٤٤٧٤)، والترمذي (٣١٨١)، وابن ماجه (٢٥٦٧)، من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لما نزل عذري، قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، فذكر ذاك، وتلا - تعني - القرآن، فلما نزل من المنبر، أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم».
(٢) قوله: (لئلا) سقطت من الأصل. والمثبت من (ك).
(٣) وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه في أول الفصل: «قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء».

<<  <  ج: ص:  >  >>