للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالتَّفقُّهُ ليَعرِفَ، والرِّفْقُ ليَسْلُكَ أقربَ الطرقِ إلى تحصيلِ المقصودِ، والحلمُ ليصبِرَ على الأذى، فكثيرًا ما يحصُلُ له الأذى؛ كما قال: {واصبر على ما أصابك} بعدَ أن قال: {وأمر بالمعروف وانه عن المُنكَرِ}، وقولِه لنبِيِّه: {ولربك فاصبر}، {واصبر على ما يقولون}، وهو كثيرٌ في القرآنِ والسُّنَّةِ.

لكن للآمِرِ أن يدفعَ عن نفْسِه، فإذا أرادَ المأمورُ أن يؤذِيَه؛ فله أن يدفعَ أذاه عن نفْسِه قبلَ الوقوعِ، أما بعدَ وقوعِ الأذى والتوبةِ؛ فيصبِرُ ويحلُمُ.

والكمالُ حالُ نبِيِّنا صلى الله عليه وسلم أنه ما انتقَمَ لنفْسِه، ولا ضرَبَ خادمًا، ولا زوجةً، ولا دابَّةً، ولا نِيلَ منه فانتقَمَ لنفْسِه؛ إلا أن تُنتهَكَ حُرُماتُ اللهِ، فإنه لم يقُمْ لغَضَبِه شيءٌ؛ حتى ينتقمَ للهِ (١).

فالآمِرُ الناهي إذا نِيلَ منه، ثم إنَّ ذلكَ المأمورَ تابَ وقَبِلَ الحقَّ؛ فلا ينبغي له أن يقتصَّ منه ويعاقِبَه على أذاه؛ فإنه قد سقَطَ بالتوبةِ، كما تسقُطُ عن الكافرِ إذا أسلمَ حقوقُ اللهِ، ولم يضْمَنْ ما أتلَفَه للمسلمِينَ من


(١) روى مسلم (٢٣٢٨) عن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل». وأصله في البخاري (٣٥٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>