للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا بخلافِ مَن يعتقدُ أن ما يفعَلُه بغيٌ وعدوانٌ؛ كالمسلمِ إذا ظلَمَ المسلمَ، والذِّمِّيُّ إذا ظلمَ المسلمَ، والمرتدُّ الذي أتلَفَ وليس بمحارِبٍ؛ بل هو في الظاهرِ مسلمٌ أو مُعاهَدٌ، فإن هؤلاءِ يضمَنونَ ما أتلَفوه بالاتفاقِ، فمن اعتقدَ أذى الآخَرِ بتأويلٍ فهو من المتأوِّلِينَ.

وحقُّ الآمِرِ الناهي داخلٌ في حقِّ اللهِ، فإذا تاب؛ يسقُطُ عنه الحقَّانِ، فهو كالحاكمِ إذا حكمَ فأخطأَ، وكالمفتي وكالشاهد؛ إذا أخطأ.

وقد يقالُ: إنه يسقط عنه الجزاءُ على وجهِ القصاصِ الذي يجبُ في العمدِ، لا في الخطأِ، كما تجبُ الديةُ في الخطأِ، وكما يجبُ ضمانُ الأموالِ التي يُتلِفُها الصِّبْيانُ والمجانينُ، والقاتلُ خطأً تجبُ الديةُ على عاقِلَتِه، كذلك هذا الذي ظلم خطأً.

لكن يقالُ: الفرقُ بينَ ما كان الحقُّ للهِ وحقُّ الآدميِّ تبَعٌ له، وما كان حقًّا لآدمِيٍّ مَحْضًا أو غالبًا، والأمرُ بالمعروفِ والنَّهْيُ عن المُنكَرِ، والجهادُ من هذا البابِ؛ موافقٌ لقولِ الجمهورِ الذينَ لا يُوجِبونَ على أهلِ البَغْيِ ضمانَ ما أتلَفوه لأهلِ العدلِ بالتأويلِ، فهذا من بابِ الجهادِ الذي يقَعُ فيه الأجرُ على اللهِ تعالى، وهذا مما يتعلَّقُ بالعبدِ الآمِرِ الناهي.

والإنسانُ تُزيِّنُ له نفْسُه أن عَفْوَه عن ظالمِه يُجَرِّئُهُ عليه، وليس كذلك، فقد ثبَتَ عنه أنَّه قال في «صحيحِ مسلمٍ» (١): «ثلاثٌ إن كنتُ


(١) رواه مسلم (٢٥٨٨)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه دون قوله في أوله: «ثلاثٌ إن كنتُ لحالفًا عليهِنَّ»، ورواه أحمد (١٦٧٤) من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ثلاث والذي نفس محمد بيده، إن كنت لحالفًا عليهن: لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا، ولا يعفو عبد عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلا رفعه الله بها عزًّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر».

<<  <  ج: ص:  >  >>