للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا أخَذ الرجلُ منها شيئًا، وخلَطَه بمالِه؛ فالواجبُ إخراجُ قدْرِه، وقدرُ مالِه حلالٌ له.

ولو أخْرَجَ مثلَ المال الحرامِ من غيرِه؛ ففيه وجهانِ لأصحابِ أحمدَ والشافعيِّ، وهذا أصلٌ فيما يحصُلُ في يدِ الإنسانِ مِن وديعةٍ وعاريَّةٍ وغصبٍ ولا يَعْرِفُ صاحبُها، يتصدَّقُ بها عنه في مصالحِ المسلمِينَ؛ على مذهَبِ مالكٍ وأحمدَ وأبي حنيفةَ وغيرِهم، ويجوزُ للفقراء أخْذُها، فإنَّ المعطيَ نائبُ صاحبِها؛ بخلافِ من تصدَّقَ مِن غُلولٍ؛ وهو الذي يَحوزُ المالَ ويتصدَّقُ به؛ معَ إمكانِ ردِّه، أو يتصدَّقُ به صدقةَ متقرِّبٍ كَمالِه، وأما ذاك فيتصدَّقُ صدقةَ متحرِّجٍ متأثِّمٍ؛ بمنزلةِ أداءِ الدَّينِ وأداءِ الأمانات إلى أصحابها؛ وهو قولُ ابنِ مسعودٍ (١) ومعاويةَ رضي الله عنهما (٢)، وقال


(١) رواه عبدالرزاق (١٨٦٣١)، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: «اشترى عبد الله بن مسعود من رجل جارية بست مائة أو بسبع مائة، فنشده سنة لا يجده، ثم خرج بها إلى السدة فتصدق بها من درهم ودرهمين عن ربها، فإن جاء صاحبها خيره، فإن اختار الأجر؛ كان الأجر له، وإن اختار ماله؛ كان له ماله»، ثم قال ابن مسعود: «هكذا افعلوا باللقطة».
(٢) رواه سعيد بن منصور (٢٧٣٢)، عن حوشب بن سيف، قال: «غزا الناس الروم وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فغلَّ رجل مائة دينار، فلما قسمت الغنيمة، وتفرق الناس ندم، فأتى عبد الرحمن بن خالد، فقال: قد غللت مائة دينار فاقبضها، قال: قد تفرق الناس، فلن أقبضها منك حتى توافي الله بها يوم القيامة، فأتى معاوية، فذكر ذلك له، فقال له مثل ذلك، فخرج وهو يبكي فمر بعبد الله بن الشاعر السكسكي، فقال: ما يبكيك؟ فقال: غللت مائة دينار، فأخبره، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أمطيعي أنت يا عبد الله؟ قال: نعم، قال: فانطلق إلى معاوية فقل له: خذ مني خمسك، فأعطه عشرين دينارًا، وانظر إلى الثمانين الباقية، فتصدق بها عن ذلك الجيش، فإن الله عز وجل يعلم أسماءهم ومكانهم، فإن الله يقبل التوبة عن عباده، فقال معاوية: أحسن والله، لأن أكون كنت أفتيته بها كان أحب إلي من أن يكون لي مثل كل شيء امتلكت».

<<  <  ج: ص:  >  >>