للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمباحاتُ التي يشترِكُ فيها المسلمون؛ كالصُّيود البريَّةِ والبحريَّةِ والمعادنِ؛ إذا حجرها السلطانُ وأمَر ألَّا يأخُذَها إلا نوَّابُه، وتُباعَ للناسِ؛ لم يحرُمْ على الناسِ شراؤُها، ونوَّابُ السُّلطانِ يَستخرجونها بأثمانِها التي أخذوها ظلمًا، ونحوُ ذلك من الظُّلْمِ.

قيل: تلك الأموالُ أُخِذَت من المسلمِينَ ظلمًا، فالمسلمون هم المظلومون، وذلك لا يحرِّمُ عليهم ما كان حلالًا لهم، وهذا ظاهرٌ فيما إذا كان الظلمُ فيه مناسبًا، مثلُ أن يُباعَ كلُّ مقدارٍ بثمنٍ معيَّنٍ، ويُؤْخَذَ من تلك الأثمانِ ما يُستخرجُ به تلك المباحاتِ؛ فلا شبهة هنا على المشتري أصلاً، وإن كان ما يستخرج به تلك المباحات بدونِ المعاملةِ بالأموالِ السُّلطانيةِ المشتركةِ.

أمَّا لو سخَّر نوَّابُ السلطانِ بغيرِ حقٍّ مَن يستخرِجُ تلك المباحاتِ؛ فهذا بمنزلةِ أن يغصِبَ من يَطبُخُ له طعامًا، أو ينسِجُ له ثوبًا، أو يطبُخُ بحطبٍ مغصوبٍ؛ فهذا فيه شُبْهةٌ، وطريقُ التخلُّصِ: أن ينظُرَ النفعَ الحاصلَ في تلك العينِ بعملِ المظلومِ، فيُعطى أجرتَه، وإن تعذَّر معرفةُ المظلومِ تصدَّقَ بها عنه، كما لو اختلَط مالُه بما غصَبه، فلا يوجِبُ تحريمَ مالِه عليه؛ لأنَّ المحرَّماتِ نوعانِ:

محرَّمٌ لوصفِه وعينِه، كالدَّمِ والميتةِ، فهذا إن اختلط بالمائعِ وظهَر فيه؛ حَرُمَ.

ومُحَرَّمٌ لكَسْبِه؛ كالنقْدَينِ والحبوبِ والثِّمارِ وأمثالِه، فهذا لا تحرُمُ أعيانُها تحريمًا مُطْلقًا؛ بل تحرُمُ على من أخذها ظُلْمًا أو بوجهٍ مُحَرَّمٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>