للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكثيرِ وفي جميعِ النجاساتِ.

وأما إذا تغيرَ؛ فإنما حرُمَ لظهورِ جِرمِ النجاسةِ فيه؛ بخلافِ ما إذا استُهلكَ، ويبيِّنُ ذلك: أن الخمرَ واللبنَ لو وقَع في ماءٍ واستُهلكَ، فشرِبَه شاربٌ: لم يُحَدَّ، ولم ينشرِ الحرمةَ.

ونَهْيُه صلى الله عليه وسلم عنِ البولِ في الماءِ الدائمِ (١)؛ لأنه ذريعةٌ إلى تَنْجيسِه، فسَدَّ الذريعةَ، ولهذا يعُمُّ النهيُ البولَ في كلِّ ماءٍ راكدٍ، فلا يجوزُ فيما فوقَ القُلَّتَينِ، ولا فيما لا يمكنُ نَزْحُه، ولا فيما لا يتحركُ أحدُ طَرَفَيْه، ومَن قال: يجوزُ في ذلك؛ فقد خالفَ النصَّ؛ إذ هو عامٌّ.

وأمَّا قولُه: «الماءُ طَهورٌ، لا يُنَجِّسُه شيءٌ»؛ فلا يُقالُ: وصْفُ الماءِ بكونِه طَهورًا يدُلُّ على تَنْجيسِ غيرِهِ؛ لأنه يجوزُ تعليلُ الحكمِ بعِلَّتَينِ، وكونُ الماءِ طهورًا يوجبُ دفْعَ النجاسةِ عن نفْسِه، وأنه أَوْلى من غيرِه، ولا يمنعُ أن يكونَ في غيرِه ما يمنعُ عنه النجاسةَ.

وأيضًا؛ فإنهم سألوه عنِ الماءِ فخَصَّه بذلك؛ لحاجةِ السائلِ إليه، معَ أنه مفهومُ لقبٍ، وهو ضعيفٌ.

وأمَّا حديثُ القُلَّتَينِ إذا صحَّ؛ فمَنْطوقُه موافقٌ لغيرِه، وهو أنه إذا بلَغَ الماءُ قُلَّتَينِ لم يُنجِّسْه شيءٌ.

وأمَّا مفهومُه - إذا قُلْنا بدلالةِ مفهومِ العددِ - فإنما يدُلُّ على أنَّ


(١) رواه البخاري (٢٣٩)، ومسلم (٢٨٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه» واللفظ للبخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>