للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكمَ في المسكوتِ عنه مخالِفٌ للحكمِ في المنطوقِ بوجهٍ من الوجوهِ، ولا يُشترَطُ أن يكونَ الحكمُ مخالفًا للمنطوقِ من كلِّ وجهٍ، وهذا معنى قولِهم: «المفهومُ لا عمومَ له»، فلا يلزَمُ أنَّ كلَّ ما لم يبلُغِ القُلَّتَينِ أنَّه ينجُسُ، بل إذا قيلَ بالمخالفةِ في صورةٍ حصلَ المقصودُ، فمَنْطوقُه: أنه لا يحملُ الخبثَ عندَ بلوغِ القُلَّتَينِ، مفهومُه: والقليلُ (١) قد يحمِلُ؛ لمَظِنَّةِ القِلَّةِ، فيكفي المخالفةُ بجوازِ احتمالِ الخبثِ في القليلِ دونَ الكثيرِ، فقد خالفَ المفهومُ للمنطوقَ بذلك وهو كافٍ؛ إذ لا يلزمُ أنَّ المفهومَ يخالفُ المنطوقَ في كلِّ صورةٍ من صُوَرِه؛ بل يكفي ولو بصورةٍ، فلا عمومَ للمفهومِ كما قُلْنا؛ وهذا ظاهرٌ.

والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يذكُرْ ذلك حكمًا عامًّا، إنما ذكَرَه في جوابِ مَن سألَه عن ماءٍ بعَيْنِه، فَيُتَقيَّدُ به، فإنَّ التخصيصَ إذا كان له سببٌ غيرُ اختصاصِ الحكمِ؛ لم يبْقَ حجةً بالاتفاقِ؛ كقولِه تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق}.

فلما كان حالُ الماءِ المسؤولِ عنه أنه كثيرٌ قد بلَغَ القُلَّتَينِ، ومِن شأن الكثيرِ أنه لا يحمِلُ الخبَثَ، بل يستحيلُ فيه: دلَّ ذلك على أن مَناطَ الحكمِ كونُ الخبَثِ محمولًا؛ فحيثُ كان محمولًا - أي: موجودًا - كان نجِسًا، وحيثُ استُهلِكَ فهو غيرُ محمولٍ، فصار حديثُ القُلَّتَينِ موافقًا لقولِه: «الماءُ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ».


(١) في هامش (ع): (لعله: ومفهومه: القليل).

<<  <  ج: ص:  >  >>