للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى ذلك حربٌ في مسائِلِه عن أحمدَ، ورواه أبو زرعة الدمشقيُّ وغيرُهما، وهو معروفٌ عن عمرَ، والحدائقُ التي بالمدينةِ يغلبُ عليها الشجرُ.

وقد ذكَر هذا الأثرَ بعضُ فقهاءِ المغربِ، وزعم أنه خلافُ الإجماعِ؛ وليس بشيءٍ؛ بل ادِّعاءُ الإجماعِ على جوازِه أقربُ، فإن عمرَ فعَلَه بالمدينةِ النبويةِ بمشهدٍ من المهاجرينَ والأنصارِ، واشتَهَر ولم يُنكَرْ، معَ أنهم كانوا يُنكِرونَ ما دونَها على عمرَ، كما أنكَرَ عِمْرانُ بنُ حُصَيْنٍ وغيرُه ما فعَلَه عمرُ من متعةِ الحجِّ (١).

والذي فعَلَه عمرُ هو الصوابُ، إذا تدبَّرَ الفقيهُ أصولَ الشريعةِ؛ تبيَّنَ له أنه ليس داخلًا فيما نهى اللهُ عنه لأمورٍ:

أحدُها: أن الأرضَ يمكنُ فيها الإجارةُ، ويمكنُ فيها بيعُ حَبِّها قبلَ أن يشتدَّ، ثمَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لما نهى عن بيعِ الحبِّ حتى يشتدَّ؛ لم يكُنْ ذلك نَهْيًا عن إجارةِ الأرضِ، وإن كان مقصودُ المستأجِرِ هو الحبَّ؛ لأنَّ المستأجر هو الذي يعملُ في الأرضِ حتى يحصِّلَ الحبَّ، بخلافِ المشتري؛ فإنه يشتري حبًّا مجردًا، وعلى البائعِ خدمتُه حتى يتحصَّلَ، فكذلك نَهْيُه عن بيعِ العِنَبِ حتى يسودَّ؛ ليس نَهْيًا عمَّن يأخذُ الشجرَ فيقومُ عليها ويَسْقيها حتى تثمرَ، إنما النهيُ لمن اشترى عينًا (٢) مجردةً


(١) رواه مسلم (١٢٢٦).
(٢) في (ك) و (ع): عنباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>